القديس أمبروسيوس أسقف ميلان كنموذج لحياتنا


المتقدِّم في الكهنة جورج بابافرنافاس

(تعريب نديم سلُّوم)

 

وُلِدَ القديس أمبروسيوس في ميلانو[1] حوالي العام 340 بعد الميلاد. أكمل دراساته في البلاغة والفلسفة والقانون. رجلٌ شريفٌ وبارٌّ، كان سلوكه بلا لومٍ حتَّى قبل أن يعتمد. خلال مزاولته لمهنة القضاء حاول تحقيق العدالة دون تمييز بين الأشخاص والمناصب. جلبت حياته وحالته البارعة والورعة رحمة الله التي "طاردته" وجعلته مستحقًّا أن يعتمد ويصبح عضوًا حيًّا في كنيسته. وفي وقتٍ قصيرٍ نسبيًّا، حصل على جميع درجات الكهنوت: شمَّاسًا ثمَّ كاهنًا ثمَّ أسقفًا على ميلانو. وقد تميَّز كأسقفٍ بمحبَّته حتَّى التضحية تجاه قطيعه وكذلك بجهاداته ضدَّ الهرطقات. الحادثة التاريخيَّة المعروفة التي وقعت بين القديس أمبروسيوس والأمبراطور ثيودوسيوس، تُسلِّط الضوء على براعة القديس الروحيَّة والتزامه بإيمان آبائه. لم يسمح للأمبراطور ثيودوسيوس بالدخول إلى الكنيسة المقدَّسة حتَّى يتوب بصدقٍ عن عمليات القتل التي أمر بها داخل ميدان سباق الخيل في تسالونيكية. حصل القديس أمبروسيوس على نهاية مغبوطة. رقد بسلام في العام 397، عن عمر يناهز 57 عامًا.

تمنحنا حياته وشخصيَّته الفرصةَ لتسليط الضوء على ما يلي:

أوَّلاً، إنَّ إقامة العدل من قبل مؤسسات الدولة الشرعيَّة أمرٌ مهمٌّ للغاية لعمل المجتمعات البشريَّة. مع ذلك فإنَّ العدالة البشريَّة، إذا كانت ضروريَّة، تختلف كثيرًا عن عدالة الله التي تتطابق مع محبَّته وهدفها إصلاح الإنسان وخلاصه وليس معاقبته. يقول القديس يوحنا الذهبيّ الفم في حديثه عن عدالة الله إنَّ محبَّته هي التي "جعلت ابنه خطيئةً وبرَّرت الخطأة. بينما عدالة البشر أمام الله مثل ‘الخرق الرديئة’". فالله لأنَّه بلا هوى، ليس متحيِّزًا، لأنَّه لا يميِّز بين الأشخاص اعتمادًا على خيراتهم المادِّيَّة أو المناصب التي يشغلونها. جميع الناس أمامه متساوون. بالطريقة ذاتها سوف يتصرَّف كل أولئك الذين يحبُّون الله ويحاولون أن يحكموا وفقًا لمشيئته.

لكي يكون المرء في موقعٍ يُسمح له بالحكم ويحكم عادلًا، يجب أن يكون متحرِّرًا من الأهواء التي تسبِّب شذوذ ومخالفات اجتماعيَّة ليحبَّ حقًّا. لكن لأنَّ هذا بالتأكيد أمرٌ صعبٌ سيكون من الجيِّد على الأقل للقاضي أن يصدر حكمًا وقرارًا بأكبر قدر ممكن من الانصاف، ليس بالتفكير بأهوائه وأخطائه ولكن من خلال وضع نفسه في موقع الذي يُحاكَم. في الوقت نفسه، يجب أن يحاول الحكمَ وفقًا لروح القانون وليس بحرفيَّته.

إنَّ تحقيق العدالة مهمَّة صعبة ومسؤوليَّة ويجب أن تتمَّ بجدِّيَّة وخوف الله والصلاة والحذر لتجنُّب الأخطاء الكبيرة والجسيمة. الحياة البشريَّة هبة من الله ولا يحق لأحد أن يقضي عليها عبثًا بسبب أهوائه وأخطائه. إنَّ الوصيَّة الواردة في الكتاب المقدَّس: "تعلَّموا العدل أيُّها السكان على الأرض"، موجَّهة إلى أولئك الذين يتحمَّلون المهمَّة الجادَّة والمسؤوليَّة لإقامة العدالة الشرعيَّة، وهي دائمًا وقتيَّة.

ثانيًا، نرى في طروباريَّة القديس أمبروسيوس، بالإضافة إلى أمورٍ أخرى، ما يلي: "أرشدتَ الغيارى إلى الإيمان المستقيم..." أي أنَّه علَّم المؤمنين أن يعاينوا بدقَّة وصحَّة عقائد الكنيسة.

إنَّ عقائد الكنيسة هي حقائق الإيمان، كما كشفها الله الثالوثيّ ودوَّنها آباء المجامع المسكونيَّة القديسون. "تُدعى أيضًا الحدود لأنَّها الحدود بين الحق والضلال" (المطران إيروثيوس فلاخوس). إنَّ تعليم حقائق الإيمان هو خدمةٌ سرِّيَّةٌ ومقدَّسةٌ، كما التقيُّد الدقيق بالعقيدة، لأنَّها مرتبطة مباشرة بالعبادة الحقيقيَّة للإله الثالوثيّ. في الوقت نفسه هي تحمي المؤمنين من ضلالة الهرطقة وتساعدهم على البقاء في الكنيسة وبالتالي يجدون الرؤية الصحيحة في اكتساب الشركة الحقيقيَّة مع الله الثالوثيّ. يعلم القديسون أنَّ أي انتقاص من العقيدة يعني خسارة طريقة الاتِّحاد مع الله، كذلك الحرِّيَّة الوجوديَّة، أي السيادة على الأهواء التي تتحقَّق من خلال خبرة طريقة الحياة التي تقدِّمها الكنيسة الأرثوذكسيَّة.

ترتبط العقيدة ارتباطًا مباشرًا بأخلاقيَّات وطريقة حياة كل إنسان يعيش ويلتزم بما يؤمن به. إنَّ عقائد الكنيسة الأرثوذكسيَّة هي طريقة حياة كل أولئك الذين يجاهدون لكي يتقدَّسوا. إنَّها مصدر إلهام وسببٌ للمحبَّة الحقيقيَّة المرتبطة مباشرةً بدقَّة العقائد الصحيحة. لهذا في أمور الإيمان والحياة الليتورجيَّة لا مكانٌ للعاطفة والأمراض المختلفة الأخرى، لأنَّ محبَّة الهراطقة أمرٌ يجب أن يكون متواجدًا، فلا ينبغي لأحد أن يكره مريضًا بل مرضه، وأمرٌ آخرٌ المشاركة في العبادة والمناولة الإلهيَّة التي تفترض العضوية في الكنيسة.

إنَّ العقائد هي مصدر حياة وناقلة لهذه الحياة التي تنتصر على الموت وتولد المحبَّة الأصيلة والحرِّيَّة الوجوديَّة والعدالة الحقيقيَّة. عندما يفقد المرء هذه الخيرات الثلاث العظيمة وخاصةً المحبَّة، فإنَّه يبحث عن حقوقه متجاهلاً بالطبع أنَّه يجدها حقًّا عندما يضحِّي بها من أجل قريبه.

 

https://www.johnsanidopoulos.com/2013/12/saint-ambrose-of-milan-as-model-for-our.html

 


[1]  حسب كتاب السنكسار "في عاصمة بلاد الغال أي فرنسا."



آخر المواضيع

عظة في إنجيل الإيوثينا الحادية عشرة (يوحنا21: 14 - 25)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-04-04

عظة في إنجيل الإيوثينا العاشرة (يوحنا21: 1 - 14)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-03-29

عظة في إنجيل الإيوثينا التاسعة (يوحنا 20: 19 - 31)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-03-22

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا