القديس يعقوب الفارسيّ المقطَّع كنموذج لحياتنا


المتقدِّم في الكهنة جورج بابافرنافاس

تعريب نديم سلُّوم

 

عاش القديس يعقوب في القرن الرابع. أتى من فارس وعاش في مدينة لابات. كَونه من سلالة نبيلة، كان صديقًا للملك الفارسيّ يزدجرد. لكن للأسف، بَرهَنَت هذه الصداقة أنَّها مُهلِكة ليعقوب لأنَّه غيَّر إيمانَه بسببها. بعد ضغط من "صديقه" الملك، تخلَّى عن إيمانه بالمسيح وعبد الأصنام. جلب هذا حزنًا شديدًا لوالدته وزوجته، اللتَيْن أحبَّتاه جدًّا، ممَّا جعلهما تَقسُوان عليه بغية قيادته إلى التوبة. قالتا له إنَّهما لم يعودا يريدان رؤيته بعد ما فعل. قالتا له في رسالة: "سنستقبلك فقط إذا تُبتَ بصدقٍ". صَدَمَهُ موقف أحبَّائه ودَفَعَه إلى التوبة. استشعر خطأه العظيم وبكى بكاءً مرًّا. ذهب إلى الملك متسلِّحًا بشجاعةٍ روحيَّةٍ واعترف بجرأةٍ بإيمانه بالمسيح. أرسله الملك إلى التعذيب الشديد. قام بتقطيع أقدام وأيدي "صديقه" إلى قطعٍ صغيرةٍ، وفي النهاية قطع رأسه. وهكذا ختم يعقوب اعترافه بدم الشهادة ولكن أيضًا صحَّح خطأ إنكاره.

 

تُتيح لنا حياته وسلوكه الفرصةَ لنا لإبراز ما يلي:

أوَّلاً، الصداقة أمرٌ مقدَّسٌ لكن فقط إذا كانت صادِقة وحقيقيَّة. لكي تكون الصداقة حقيقيَّة، يجب أن يكون الاحترام متبادلاً بين الأصدقاء. إذا لم يكن هناك احترام في حرِّيَّة الآخر، فإنَّ الصداقة مزيَّفة، وكما نعلم، فإنَّ كلَّ ما هو مزوَّر ليس له قيمة أو مدَّة. لهذا السبب يجب على المرء أن يكون حَذِرًا في اختيار الأصدقاء. عندما تلاحظ أصدقاءك يُغرونك بوسائل مختلفة لإبعادك عن الله والكنيسة، يجب أن تقطع كلَّ الاتصالات معهم من أجل حماية سلامتك الروحيَّة بما أنَّ الإيمان والصحَّة الروحيَّة مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. الإيمان الحقيقيّ بالله الثالوثيّ، الذي يُعبَّر عنه بالصلاة والحياة الأسراريَّة والنسكيَّة، يجذب نعمة الله التي تشدِّد المؤمنين في جهاداتهم للتغلُّب على أهوائهم. وعندما تُضبَط الأهواء، عندها يُصبح جهاز المناعة الروحيَّة أقوى، ممَّا يُساهم بشكلٍ كبيرٍ في الحفاظ على الصحَّة الروحيَّة.

 

 لذلك عندما يدرك المرء أنَّ صديقه أو أصدقاءه لا يحترمون إيمانه وحرِّيته يجب أن يتوقَّف عن الارتباط بهم والبحث عن أصدقاء آخرين حقيقيِّين وصادقين. هؤلاء هم الذين يقبلون أصدقاءهم كما هم وليس كما يريدونك أن تكون. في حالة إغواء أو إبعاد شخصٍ ما عن الكنيسة، يجب أن يعرف ويتمّ تذكيره بحقيقة وجود التوبة التي تتطلَّب شجاعة وجرأة روحيَّة كشرطٍ مسبقٍ. ففي النهاية، الحياة الروحيَّة تنتمي لمن لا يبرِّر نفسه ويخفي أخطاءه بل يُلاحظها ويعترف بها ويصحِّحها. وهي لا تُعطى له فقط بل تُكتسب بالدمِّ وفقًا للقول الآبائي الشهير: أعطِ دمًا وخُذ روحًا".

 

ثانيًا، الله يحبُّ الجميع، لكنَّ محبَّته لا يفهمها الجميع بل يفهمها فقط أولئك الذين لديهم هوائي (antenna) روحيّ ويتلقّون الموجة ذاتها التي للكنيسة. لهذا يجب التَرَدُّد إلى الكنيسة والصلاة والمشاركة في الأسرار الطاهرة خاصةً سر الشكر الإلهيّ وفقًا للشروط المناسبة. إنَّه لأمرٌ مأساويٌّ حقًّا أن يزورنا الله ويحتضننا بنعمته، فيما نحن لا نفهمه أو ندركه على الأقلِّ. بالرغم أنَّه يحبُّنا، إلاَّ أنَّنا نعتقد أنَّه لا يحبُّنا وأنه يقاومنا بشدَّة. مرَّات كثيرةٍ نملك هذا الشعور ضدَّ شعب الله الذي يحبُّنا حقًّا ويشتاق إلى توبتنا وتقويمنا. عندما كتبت أمُّ وزوجة القديس يعقوب إليه، ربَّما بَدَتا أنَّهما قاسيتان، لكن ثَبُتَ أنَّهما معالِجَتان ومخلِّصتان له لأنَّهما قادَتاه إلى التوبة والخلاص. من دون هذا السلوك الذي يبدو قاسيًا، ربما ما كان لِيَتَقوَّم. لقد اعتاد أحد الشيوخ الحكماء أن يقول "أولئك الذين يعاقبوننا يحبُّوننا أكثر من الذين يمدحوننا" لأنَّهم يريدون تقويمنا.

 

لذلك فإنَّ المحبَّة الحقيقيَّة علاجٌ، ولكن في كثير من الأحيان، لأجل معاناة الإنسان، لا يتمُّ العلاج من دون ألم. في النهاية، المحبَّة الحقيقيَّة تعلِّم وتَقود إلى التوبة والكمال وسُكنَى الله فينا كما يقول القديس سمعان اللاهوتيّ الجديد: المحبَّة هي "معلِّم الأنبياء ورفيق الرسل وقوَّة الشهداء ووحي الآباء والمعلِّمين وكمال جميع القدِّيسين." لكن للأسف في كثير من الأحيان كما ذكرنا سابقًا لا نفهم تعبير محبَّة الله ومحبة شعب الله وننقلب عليهم. إنَّهم يحبُّوننا ويقفون إلى جانبنا، لكنَّنا لا نفهم ذلك.  لا نشعر بالامتنان بل نشكو باستمرار. في الواقع نتصرَّف كالأطفال عندما يرسلهم أهلهم إلى المدرسة للحصول على التعليم لكنَّهم يعتقدون أنَّ والديهم لا يحبُّونهم ويتعاملون بقسوة معهم لعدم السماح لهم بالبقاء في المنزل واللعب بألعابهم، لكنَّهم بدلاً من ذلك يضطَّرون للذهاب إلى المدرسة حيث يشعرون بالملل ويشعرون بالعذاب.

 

تُذيب حرارة الشمس الشمعةَ لكنَّها تُقسِّي الطين. بالمثل فإنَّ محبَّة الله تُلَيِّن قلوب المتواضعين لكنَّها تُقسِّي قلوب المتكبِّرين. مع ذلك، من الواضح أنَّ لا حرارة الشمس ولا محبَّة الله مسؤولة عن الأثر الحاصِل. بنعمة الله وجهادنا الشخصيّ، عندما نتخلَّص من الكبرياء القاسي والمُهلِك ونلبس التواضع الذي يغذِّي النفس، حينئذٍ سَتَلين قلوبنا، وستشعر بمحبَّة الله وستتحوَّل من الجحيم إلى الفردوس.

 

https://www.johnsanidopoulos.com/2019/11/saint-james-persian-as-model-for-our.html

 



آخر المواضيع

عظة في إنجيل الإيوثينا الحادية عشرة (يوحنا21: 14 - 25)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-04-04

عظة في إنجيل الإيوثينا العاشرة (يوحنا21: 1 - 14)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-03-29

عظة في إنجيل الإيوثينا التاسعة (يوحنا 20: 19 - 31)
الفئة : مواضيع متفرقة

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-03-22

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا