القديس باييسيوس فيليتشكوفسكي: أبٌ هدوئيٌّ عظيم (3/8)
إيروثيوس ميتروبوليت نافباكتوس
تعريب شادي مخّول
2) البحث عن نصوص الآباء الهدوئيّين وتَرجَماتِهم
فهم باييسيوس الجليل، من خلال الاستنارة الإلهيَّة، أهميَّة الكتاب المقدَّس ونصوصَ الآباء القدّيسين الصحويَّة والهدوئيَّة التي دَرَسَها في طفولته، وبقراءته لها كان يزداد شوقًا ليُصبح في شركة مع الله.
وإذ كان راهبًا مبتدئًا في دير ليوبتز، أعطاه أحد الرُّهبان كتاب «السُّلَّم إلى الله» للقدّيس يوحنا السُّلَّمي، وقد ملأه هذا الكتاب بفرحٍ عظيم. وبهدف إبقاء هذا الكتاب معه، فقد سهر ليلةً كاملةً لينسخه مستخدمًا مِشعَلًا يملأ غرفته دخانًا. يُخبرنا القدّيس باييسيوس بنفسه أنَّه اقتنى حبًّا كهذا للكتب الآبائيَّة لأنَّه، في غياب مرشدٍ روحيٍّ مناسب، أراد ألَّا ينحرف هو والرُّهبان الذين تَوَلَّاهم مع مرور الوقت عن «فكر الكنيسة الأرثوذكسيَّة الجامعة الصحيح». وهكذا، شَرَعَ باقتناء كتبٍ آبائيَّة مختلفة باللُّغة السلافيَّة تُعَلِّم عن الطاعة واليقظة والسَّهر والصَّلاة. بقراءته للكتب المُترجَمة إلى اللُّغة السلافيَّة، لاحظ عدَّة أخطاءٍ فادحة أدَّت إلى عَدَمِ تَلَقّيه فهمًا واضحًا. بدايةً، حاول تصحيحها عبر استخدامه لكتب أخرى مترجَمة إلى اللُّغة السلافيَّة، لكنَّه أيقن أنَّ هذا عملٌ شاقٌّ ومستحيلٌ.
مع ذلك، بعد إقامته لعدَّة سنواتٍ في جبل آثوس، تعلَّم إلى حدٍّ ما اللُّغة اليونانيَّة، واجتهد لإيجاد الكتب الصَّحَويَّة بلغتهم الأصليَّة كي يستطيع أن يُصحِّح من خلالها النصوص السلافيَّة. لكنَّه وجد أنَّ هذه المهمَّة صعبةٌ أيضًا ومستحيلةٌ. كان يزور عدَّة أساقيطٍ في جبل آثوس، كإسقيط القدّيسة حنَّة وإسقيط القدّيس ديميتريوس التابع لدير الفاتوبيذي. كما زار عدَّة أديارٍ وعدَّة شيوخٍ مُختَبِرين بغية إيجاد كتبٍ تتناول موضوع الحياة الهدوئيَّة واليقظة، مثل كتب القدّيس فيلوثيوس السينائي والقدّيس هيزيخيوس الكاهن. لم يعلم أحد بوجود هذه الكتب، وهذا أحزَنَهُ جدًّا.
يُخبر عن الفرح العظيم الذي اختبره أثناء رحلته من دير اللَّافرا الكبير إلى إسقيط القديسة حنَّة، حيث مرَّ بإسقيط القديس باسيليوس، والتقى راهبًا قام بِنَسْخِ كتب القديسين بطرس الآثوسي وأنطونيوس الكبير وغريغوريوس السينائي وفيلوثيوس وهيزيخيوس وذياذوخوس وثلَّاسيوس وسمعان اللَّاهوتي الجديد ونيكيفوروس الرَّاهب واشعياء وغيرهم. بعد عدَّة تَوَسُّلاتٍ ودَفْعاتٍ، تمكَّن من الحصول على عدَّة نصوصٍ صَحَويَّةٍ كهذه، ثمَّ عاد إلى مولدوفا بغية تنظيم أخويَّته الكبيرة التي تشكَّلت خلال هذا الوقت، وخدم هناك من خلال ترجمة هذه النصوص الصَحَويَّة.
حاول بدايةً أن يصحِّح النصوص المُتَرجَمة إلى اللُّغة السلافيَّة عبر استخدامه للنصوص الأصليَّة باللُّغة اليونانيَّة. لكن، بسبب سوء هذه الترجمات لم يتمكَّن من تصحيحها إنَّما بدأ بإعادة تَرجَمَتِها. فشرع القدّيس باييسيوس بالترجمة من اللغة اليونانيَّة إلى اللُّغة السلافيَّة التي كانت سائدة في القرن السابع عشر في الكتب المنشورة في روسيا.
يعترف قائلًا: «هذا العمل كان فوق قُدرَتي». يُخبر كاتب سيرته وتلميذه مطروفانيس أنَّ القديس باييسيوس ترجم من اللُّغة الهلينيَّة اليونانيَّة إلى لغتهم السلافيَّة، ومنها تَرجَمَها الإخوة الناطقون بالفلاخيَّة إلى لغتهم. كان ينشغل طول النَّهار بأمور الدَّير، وفي اللَّيل ينكبُّ على الترجمة مُتَخَطِّيًا الحدود الطبيعيَّة للعمل، رغم أنَّ جَسَدَه كلّه كان يتألَّم، كونه عاجزًا ويعاني من الجروح.
يُخبرنا أيضًا كاتب سيرته عنه كيف كان يُترجم في اللَّيل: «بينما كان يرتاح في السَّرير، كان يُحيط نفسه بالكتب: عدَّة معاجم وإنجيلٌ يونانيّ وإنجيلٌ سلافيّ وكُتب قواعد الكتابة باللُّغتين السلافيَّة واليونانيَّة والكتاب الذي يُترجمه وشمعةٌ تشتعل في الوسط. كان يمضي اللّيل وهو يكتب، جالسًا كطفلٍ أو جاثمًا أو مستلقيًا ناسِيًا أمراضه ومشاكله، غير قادرٍ على السَّماع ولا على الإجابة إن كلَّمَهُ أحدٌ أو عند حدوث شيءٍ ما خارج قلَّايته.
لقد تمَّم بحماسٍ ترجمات الكتب الصحويَّة الموجودة في فيلوكاليا الآباء الصحويّين، لأنَّه وجد فيها حكمة الآباء والطريقة التي يتمكَّن الإنسان من خلالها تحقيق الإتّحاد بالله والشركة معه، ومن ناحيَةٍ أخرى من أجل تسليمها للذين يريدون المساعدة من تعاليم الآباء القديسين لتكون قوتًا لهم.
هكذا، ساهم القديس باييسيوس، من بين أشخاص قَليلين غيره، بتجديد الرَّهبنة الهدوئيَّة في أوكرانيا ومولدوفا ورومانيا وروسيا وبلدان أخرى.
المصدر:
https://www.johnsanidopoulos.com/2013/11/saint-paisius-velichkovsky-great_18.html
آخر المواضيع
القديس ديمتريوس التسالونيكيّ كراهب
الفئة : مواضيع متفرقة
تيك توكر يونانية شهيرة تصبح راهبة أرثوذكسية
الفئة : مواضيع متفرقة
تَقريظٌ لقطع رأس النّبيّ السّابق المجيد يوحنّا المعمدان
الفئة : مواضيع متفرقة
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني