في ترتيلة «ها هوذا الختن يأتي في نصف اللَّيل»
القديس يوحنا كرونشتادت
تعريب شادي مخّول
لقد سمعتم الآن، أيها الأحباء، ترتيلة «ها هوذا الختن يأتي في نصف اللَّيل»، التي تُرتَّل في صلاة السَّحر في الأيام الثلاثة الأولى من الأسبوع العظيم. فاسمحوا لي بأن أشرح هذه الصَّلاة بغية أن يفهمها الكلّ وأن تأتي بالفائدة المرجوَّة. تذكِّرنا هذه الترتيلة بالمثل الذي أعطاه المخلِّص، حيث شبَّه ملكوت السَّموات بعشر عذارى أخذن مصابيحهنَّ، بحسب عادةٍ قديمة، وخرجنَ لملاقاة العريس. كان ناظم هذه الترتيلة مفتكرًا بهذا المثل أثناء كتابتها.
سنورد المثل هنا وسنشرحه بإيجاز؛ «حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ. وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ. أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا، وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. فَقَالَتِ الْجَاهِلاَتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ قَائِلاتٍ: لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ، وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. أَخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضًا قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا! فَأَجَابَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ» (مت 25: 1-13).
تفسير هذا المثل يكون على النحو التالي: تمثِّل العذارى العشر، اللَّواتي كان خمسٌ منهنَّ حكيمات وخمسٌ جاهلات، المسيحيِّين. بعضٌ منَّا حكماء بسبب إيمانهم وحياتهم الفاضلة ولأنَّهم يتهيأونَ للموت، وآخرون جهلاء بسبب عدم إيمانهم أو لعدم مبالاتهم بالإيمان، وبسبب حياتهم الجسدانيَّة الدَّنسة وعدم استعدادهم للموت وللدينونة التي تليه مباشرة، «وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ» (عب 9: 27). الجاهلات، كما قيل، أخذن مصابيحهنَّ دون أن يأخذن زيتًا. لكن إلى ماذا ترمز المصابيح والزَّيت؟ المصابيح هي نفوسنا حسب ما قال المخلِّص، «سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ» (مت 6: 22)، وهو يقصد بـ«العين» قلب الإنسان أو نفسه. والزَّيت، بحسب تفسير القديس يوحنا الذهبي الفم، يرمز إلى الإحسان، أو الأعمال الحسنة بشكلٍ عام. لذلك خرج المسيحيُّون الجهلاء لملاقاة الختن دون أن يزوِّدوا أنفسهم بالأعمال الصالحة التي تعضد حياتهم الروحيَّة. أمَّا الحكيمات، فقد قيل إنَّهنَّ قد ملأنَ الأواني بالزَّيت وأخذنها مع المصابيح، وهذا يعني أنَّهنَّ اكتنزنَ أعمالًا صالحة ليلاقينَ الختن باستحقاق. من هو الختن؟ يسوع المسيح. متى وكيف نخرج لملاقاته؟ على حياتنا، منذ بدايتها، أن تكون تحضيرًا لهذا الحدث، فكلُّ نفسٍ ستمثل أمامه بعد الموت للمساءلة. علينا، طوال حياتنا، أن نسعى لاقتناء إيمانٍ حيٍّ وأن نصون في قلوبنا حبًّا لله متَّقدًا، حينها، لن نخزى عندما سننتصب، بعد الموت، أمام عرش ربّ المجد الرَّهيب للدينونة. سنخرج لملاقاته بعد القيامة العامَّة، عندما «سَيَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ» (يو 25: 28-29).
الختن، أي المسيح، ليس في عجلةٍ من أمره ليُنهي حياتنا بالموت إذ «هُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (2 بط 3: 9)، وهو يأجِّلُ مجيئه الثاني الرَّهيب والمجيد لتتضاعف أعداد أبناء الملكوت. وبينما حلاوة الخطيئة تغوي البشر، وهم في ظنِّهم أنَّهم سيُفلتون من العقاب، وأنَّ العالم سيبقى مستقرًّا إلى الأبد، وأنَّهم يحيون متمتّعين بصحَّةٍ جيّدة وبسلعٍ ماديَّة، إلَّا أنَّهم يُغرقون أنفسهم في رقاد الخطيئة غير آبهين بإصلاح ذواتهم، وهكذا ينامون نومة الخطيئة. غير أنَّهم، في منتصف ليل رُقادهم في الخطيئة، بينما يكونون غير مفتكرين في ظلمة القبر التي سيوجدون فيها، سيسمعون صوتًا عظيمًا قائلًا: ها هوذا الختن قد أتى، فاخرجوا لملاقاته. حينها، سيرتعد الكلّ وسيُضيئون مصابيحهم، أي سيُجاهدون روحيًّا. هذا سيكون حسنًا للمسيحيّين الحكماء، فنفوسهم ستلتهب بحلاوة العشق الإلهي، لكنَّه سيكون رديئًا للجهلاء، لأنَّ نفوسهم ستموت، كمصباحٍ دونَ زيتٍ، سيظلمون ويبردون بسبب افتقارهم لمحبَّة الله، مصدر المحبَّة، وسيبدأون بتذوُّق عذابات الجحيم. سيسألون المسيحيّين الحكماء زيتًا، أي الإحسان، لكنَّهم لن يُعطوهم إياه لئلَّا ينقصهم. حينها سيذهب الجهلاء إلى الباعة، أي سيفطنون فجأةً إلى أعمال الإحسان وسيبحثون عن فرصةٍ لإتمامها. لكن في هذا الوقت، بينما يتمنون أن يعملوا أعمالًا صالحة، سيأتي الختن، وسيُطبقُ عليهم الموت فجأةً فيجعلهم ماثلين في حضرة الديان، عراةً من الفضائل، تفوح منهم رائحة نتنة نتيجة مخالفاتهم. سيشتهون أن يلجوا إلى داخل الخدر السماوي المُعدّ لنا منذ أن خُلقنا، أي غاية حياتنا. لكنَّ ربّهم سيمنعهم من الدُّخول قائلًا لهم: «إِنِّي مَا أَعْرِفُكُم»، ويُكمل هذا المثل قائلًا «إنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ» (مت 25: 13).
الآن، كلُّنا فهمنا ترتيلة «ها هوذا الختن يأتي في نصف اللَّيل فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظًا» أي كلّ مسيحيّ، «أمَّا الذي يجده متغافلًا (نائمًا نومة الخطيئة) فهو غير مستحقّ. فانظري يا نفسي ألَّا تستغرقي في النَّوم (أي ألَّا تستغرقي في نوم الخطيئة)، ويُغلق عليك خارج الملكوت وتسلَّمي إلى الموت. بل كوني منتبهةً صارخة: قدُّوسٌ، قدُّوسٌ، قدُّوسٌ أنت يا الله، من أجل والدة الإله ارحمنا»، آمين.
آخر المواضيع
مختارات عن النّور المقدّس
الفئة : الأسبوع العظيم المقدّس
قيامة المسيح
الفئة : الأسبوع العظيم المقدّس
قيامة الأموات
الفئة : الأسبوع العظيم المقدّس
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني