السّجود للمسيح الدّجال
من كتاب تفسير سفر الرّؤيا - الجزء الثالث - الأبواق السبعة والمسيح الدجّال
الأرشمندريت أثناسيوس ميتيليناوس
تعريب رولا الحاج
المسيح الدجّال هو شخص. بالتأكيد! إنّه شخص، وليس دولة، أو مجموعة دول أو بكلّ بساطة هو ليس قوى مجهولة معادية لله. بطبيعة الحال، فإنّ القوى المعادية لله وهذه الدول الجماعيّة التي تحارب الكنيسة بالتأكيد «يعدِّون الطريق» (أشعياء 40: 3) للمسيح الدجّال. كلّ هذه التيّارات المجهولة التي تعمل، وتمهّد الطريق السريع للمسيح الدجّال، تُعتبر ضدّ المسيحيّين، أو نوعًا من المسحاء الدجّالين. مع ذلك، فإنّ المسيح الدجّال سيكون شخصًا حقيقيًّا. إنّه إنسان محدّد، رجلٌ، وتاليًا سيسجد له العالم كلّه- جميع الساكنين على الأرض- ما عدا المؤمنين، المسيحيّين المختومين.
وبسبب «الآيات والعجائب الكاذبة» التي سيجترحها، سيُكرّم ويُمنح ألقابًا إلهيّة مثل الكلّيّ القوّة، والكلّيّ القدرة، والكلّي القداسة، والشامل الكلّ (2 تسالونيكي 2: 9؛ رؤيا 13: 4). لن يسجد له المؤمنون، ولهذا السبب تحديدًا، سيضطهد المسيحيّين، المسيحيّين المؤمنين بشكل أكثر تحديدًا. هذه هي الحال، فمن سيسجد له إذًا؟ يقول لنا النصّ: جميع الساكنين على الأرض. يجب أن نذكر، لأنّه، وللأسف، سيتمّ احتساب عدد هائل من المسيحيّين بكلّ تأكيد كساجدين للمسيح الدجّال. هناك الكثير من المسيحيّين الذين لا يتحلّون بإيمان عميق وهؤلاء سينخدعون بآيات المسيح الدجّال الكاذبة، وأخيرًا سيظنّون أنّ المسيح الدجّال هو المسيّا، وليس يسوع المسيح، وسينتهي بهم الأمر إلى السجود له.
أودّ أن ألفت انتباهكم إلى أمر ما كي تفهموه جيّدًا، وسأكرّره في العظات اللاحقة لكي تحفظوه. ليس شعب الله وشعب دولةٍ مسيحيّة مماثلين. عندما نتكلّم على دولة مسيحيّة، كاليونان مثلًا، حيث يفترض أنّ اليونانيّين كلّهم هم مسيحيّون معمّدون (هذا كلّه صحيح، اليونانيّون كلّهم معمّدون، على الأقلّ حتّى الآن، لا أعلم ماذا سيحدث في المستقبل) حينئذ يفترض أنّنا دولة مسيحيّة. ولكن، هل يمكننا القول إنّنا شعب الله؟ هل شعب الله هو واحد ومتطابق مع مجموع المواطنين في دولة مسيحيّة؟ من دون شكّ الجواب لا. ببساطة، ليس كلّ المواطنين يعيشون، بشكل واعٍ، الحياة المسيحيّة وإيمانها. لذلك، فإنّ اهتمامات شعب الله (الذي نتكلّم عليه مرارًا!) لا تتطابق أبدًا مع اهتمامات المواطنين الذين يشبهون القطيع في دولة مسيحيّة.
طبعًا بالمعنى الواسع، يمكننا القول إنّنا نحن اليونانيّين، بما أنّنا معمّدون، شعب مسيحيّ. نحن بالتأكيد شعب الله. ولكنّني سأذكّركم بنقطة ناقشناها في عظاتنا السابقة. عندما دعي القدّيس يوحنّا ليقيس الهيكل، قيل له ألّا يقيس المدينة المقدّسة لأنّ الأمم ستدوسها (رؤيا 11: 2). يفسر كلّ آباء الكنيسة أنّ المدينة المقدّسة هي الكنيسة. لذلك، هذا يعني أنّ الأمم ستدوس جزءًا من المؤمنين، بكلامٍ آخر، سيسجد هؤلاء للمسيح الدجّال. فالمسألة ليست إذا كنت مسيحيًّا معمّدًا أم لا، ولكنّ السؤال هو هل أنا أنتمي إلى شعب الله- إلى أولئك الذين سيخلصون. لا يقول الربّ إنّ المؤمنين لن يتأثّروا، بل حتّى إنّ المختارين سيُنتهكون. يكمن معنى الآية التالية: «حتّى يضِلّوا لو أمكن المختارِين أيضًا» (متّى 24: 24)، في أنّ المسيح الدجّال سيزعزع حتّى المختارين. هذا هو السبب في أنّني أحثّكم على الفصل بين هاتين الفكرتين: شعب الله بالمعنى الضيّق، والدولة المسيحيّة بالمعنى الواسع.
على أيّ حال، إنّ وصف أولئك الذين سيسجدون للمسيح الدجّال على أنّهم ليسوا ثابتين في الإيمان، يتّضح في الآية التي تنصّ على أنّ «أسماءهم ليست مكتوبةً فِي سِفرِ الحياةِ» (رؤيا 13: 8، 17: 8). أودّ أن أشدّد على هذا الأمر. يقول القدّيس بولس: «كما اختارنا فِيهِ قبل تأسيس العالمِ، لِنكون قِدِّيسِين وبِلا لومٍ قدّامه» (أفسس 1: 4). عندما يقول إنّ أسماء المختارين مكتوبة في سفر الحياة «قبل تأسيس العالمِ»، على الفور يمكن للمرء أن يعتقد أنّ القدّيس بولس يشير هنا إلى ما يسمّى بمبدأ التحديد المسبق المطلق (القضاء والقدر). بكلامٍ آخر، لقد سبق الله وقدّر لي حتمًا أن أخلص أو أن أهلِك. هكذا، فالخلاص هو مستقلّ كلّيًّا عن أعمالي وغير مرتبط بها. هذا خطأ. الله هو خارج المكان والزمان، فهو يعلم إنجازات التاريخ قبل التاريخ. بهذا المعنى، يعلم الله أسماء أولئك الذين سيخلصون بالجهاد الذي يقومون به بإرادتهم الحرّة- بحرّيّة ضميرهم- وليس لأنّ الله يختار بعض المفضّلين لديه ليجلعهم شعبه فيما يرذل الآخرين. أرجو أن تنتبهوا إلى هذه النقطة. سأعود إلى هذا الموضوع لأنّني أريد مساعدتكم، ولأنّني أشعر دومًا بأنّني لا أقدّم لكم معلومات وافية.
أولئك المسيحيّون الذين لا إيمان عميقًا لهم سيعبدون المسيح الدجّال. لكنّ المسيح الدجّال لم يأتِ بعد! واحتمال أنّنا سنموت ولن نراه أبدًا. قد لا يظهر في أيّامنا على الإطلاق. تذكّروا أنّني قلت مرارًا وتكرارًا إنّ المسيح الدجّال يأتي دائمًا، حتّى عندما كان آدم وحوّاء في فردوس الله. التنّين، إبليس، يجلب المسيح الدجّال. كان الشيطان يعمل دائمًا على جلب نماذج من المسيح الدجّال في التاريخ، لا سيّما بعد المسيح. لا تظنّوا أنّه بإمكاننا أن نستريح في زمننا بتأجيل ممارسات المسيح الدجّال إلى نهاية الأزمنة، إلى وقت بعيد جدًّا في المستقبل. بالنسبة إلى الكنيسة، كلّ حقبة، كلّ عصر هو نهاية الأزمنة. كلّ فصل هو نهاية الأزمنة، والمسيح الدجّال موجود دائمًا.
يُعبد المسيح الدجّال بطرائق عدّة، لكنّه كان يعبد بشكل رئيس –وما يزال في أيّامنا- عبر عبادة القيصر. أرجو أن تقرأوا رسائل القدّيسين بطرس وبولس، حيث سترون كيف نُجِلّ أولئك الحكّام. علينا أن ندفع ضرائبنا، ونحن مدينون لهم بالاحترام، ولكن لا نعبدهم. نحن لن ننسب الصفات الإلهيّة إلى أولئك الذين يحكموننا. ورجاؤنا يجب ألّا يكون في أولئك الأشخاص، رجاؤنا هو في الله وحده. يحكم هؤلاء الأشخاص بحسب وصايا الله، لا أكثر من ذلك. ما من أحد في التاريخ شجّع على طاعة الحكّام واحترامهم أكثر من الرسل. ويضيف كلّ من القدّيسين بطرس وبولس أنّه علينا أن نقدّم الصلوات والتضرّعات لجميع الناس، لا سيّما لأولئك الذين في الحكم، وللملوك، والرؤساء، والقادة، حتّى تكون لنا حياة سلاميّة، وتاليًا يمكنهم أن يحكموا بالحقّ والبرّ. نحن مدينون بالطاعة والصلاة. هذا، كما يقولون، هو حسنٌ ويسِرّ الله. يريدنا الله أن نطيع رؤساءنا، لا أن نعبدهم! ثمّة تمييز لا لبس فيه هنا. فلنكن حذرين حول هذا الموضوع. يجب ألّا ننظر إلى الحكّام كأناس كاملين أبدًا- بغضّ النظر عمّن هم- وهذا الكلام لكلّ حقبة، ولكلّ فصل. سوف نحترمهم، ولكنّنا لن نؤلّههم.
آخر المواضيع
تيك توكر يونانية شهيرة تصبح راهبة أرثوذكسية
الفئة : مواضيع متفرقة
تَقريظٌ لقطع رأس النّبيّ السّابق المجيد يوحنّا المعمدان
الفئة : مواضيع متفرقة
مَحبَّةُ الذّات: هوى عصرِنا الحاضر
الفئة : مواضيع متفرقة
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني