مَقولة «عندما يصبح الوضع آمِنًا»تعني «لن يكون آمِنًا أبدًا»
المُتَقَدِّم في الكهنة: جيفري كورز
تعريب رولا الحاج
في الكنيسة الأرثوذكسيّة، وفي كلّ ليتورجيا، مُباشرةً قبل تلاوة دستور إيمان نيقية، يرنّم الكاهن أو الشماس الكلمات التالية: «الأبواب! الأبواب!». يعود تاريخ هذه الدّعوة إلى العصور الأولى، عندما كان لا بدّ من إغلاق أبواب الكنيسة، لِمَنع الغُرَباء (الجنود الرومان آنذاك) من دخول الكنيسة كي يُشاهِدوا المُعتَرِفين بالإيمان، فيعتقلونهم ويقتلونهم.
لم يكن آمنًا أن تكون مسيحيًّا.
وبعد عدّة قرون، في ظلّ حكم الأتراك المُسلِمين، كان المسيحيّون سِرًّا - أولئك الذين عاشوا عَلَنًا كمسلمين، ولكن كمسيحيّين أرثوذكس سِرًّا- يحضرون القدّاس الإلهيّ في كنائس سِريّة، غالبًا ما تكون مُخَبّأة تحت منازلهم بأبواب سِريّة، أو في كهوف غير معروفة. أمّا في القرى الرّيفيّة، تظاهر الكهنة الأرثوذكس أحيانًا بأنّهم شُيوخٌ مسلمون فقط لكي يبقوا طَيّ الكتمان. وإذا تمّ اكتشاف قرية لمسيحيّين سِريّين، كانوا يُقتَلون كُلّهم بالسيف، من العَجَزة وصولًا إلى الأطفال.
لم يكن آمنًا أن تكون مسيحيًّا.
وبعد عدّة قرون، في ظلّ الأنظمة الشيوعيّة، كان المسيحيّون المؤمنون يجتمعون سِريًّا في مُجَمَّعات سكنيّة مَحجوبة، حيث كان الكهنة يُعَمِّدون الصغار الذين تَجلِبُهم جَدَّاتُهم، من دون دِراية الوالِدَين – وكان هذا عُذرًا شرعيًّا يقدّمه الوالِدان إلى السلطات الملحدة إذا تمّ الكَشف عَمّا تقوم به العائلة. في الأنظمة الشيوعيّة الأشدّ قسوةً، كانت حفنة من المؤمنين تجتمع خارج مدينة أو بلدة من أجل قدّاس ليليّ سريّ، يخدمه كاهن يأتي من بعيد ليتجنّب أعين السلطات المحليّة المُتَطَفِّلة. في هذه الحالات كلّها، كان المؤمنون يدركون، أنّه إذا تمّ اكتشافهم، فإنّ العقوبة ستكون الإعدام السريع، أو ما هو أسوأ - الموت البطيء والمؤلم في مُعَسكرات الاعتقال.
لم يكن آمنًا أن تكون مسيحيًّا.
في الأشهر القليلة الماضية، عانى المؤمنون في جميع أنحاء العالم من إغلاق الكنائس، وحُظِّر الاحتفال العَلَنيّ بالأسبوع العظيم، وحَظَّر الأساقفةُ والسلطاتُ المدنيّة في أماكن مختلفة المناولةَ المقدسة. أمّا الآن، أُعيد فتح الكنائس (جُزئيًّا على الأقل) في معظم الأماكن.
غير أنّ الدراسات الرسميّة والمُلاحظات غير الرسميّة تُظهِر أنّ حوالي ثُلث أولئك الذين كانوا يحضرون الخدم الإلهيّة بانتظام في بداية هذا العام قد اعتادوا الآن على البقاء في المنزل أيّام الآحاد والأعياد، ولم يعودوا إلى الكنيسة.
لعلّ العادات الحسنة أُفسِدَت. لعلّ الكسل قد بدأ. لعلّه قد ثَبُتَ أن المَيل إلى تَناوُل وجبة الفطور في السرير يوم الأحد هو أمرٌ مُغرٍ.
مع ذلك، فإنّ ما يُفَرِّق ما بين كلّ كسل الإنسان وانكساره وما بين السقوط الروحيّ هو وحده خِداع الذات.
هذه هي الكلمات التي يُرَدِّدُها البعض، «سأعود إلى الكنيسة عندما تصبح آمنةً مُجَدَّدًا».
والغريب في الأمر أنّنا لا نسمع العبارة نفسها تتكرّر في ما يتعلّق بِمَتجَر الكحول، على سبيل المثال أنّني سأعود إلى متجر الكحول عندما يصبح آمنًا مُجَدَّدًا. ولا نسمع أنّها تنطبق على شراء المواد الغذائيّة: يبدو أنّ محلّات البقالة مَحمِيّة بطريقة ما من كلّ الأمراض، وبقيت كذلك طوال الأزمة العالميّة الحديثة.
ولا نسمع أحد يردّد هذه العبارة عندما يتعلّق الأمر بمكان العمل – مثلًا: سأمتنع عن إنتاج الدَّخل، لأن عَمَلي يشكّل خطرًا كبيرًا على صِحَّتي. سأعود إلى العمل عندما يصبح الوضع آمنًا مرّة أخرى.
لا، يبدو أنّ الكنائس فقط هي التي تُعاني من درجة خطر لا نَظير لها - تمامًا كما فعلوا خلال الفترة الأولى من هذا العام، وجعلوا الكنائس أكثر خطورة من وسائل النقل العام والمَتاجِر.
الحقيقة هي أنّه في مناخ الجنون الحاليّ، لم ينتقل العديد من المسيحيّين الأرثوذكس من الاحتياطات الطبيّة الواقعيّة إلى الهستيريا الاجتماعية فحسب، بل وجدوا أيضًا أنّ الهستيريا الاجتماعيّة هي العباءة الأكثر ملائمة لِتَجَنُّب المُضايَقات والمَصاعِب.
هل يجب أن تزور أحد أقربائك؟ إلى أن يصبح الوضع آمنًا مرّة أخرى.
هل يجب أن تُنهي بعض الأعمال الصعبة؟ إلى أن يصبح الوضع آمنًا مرّة أخرى.
وماذا عن العودة إلى الكنيسة صباح كلّ أحد…؟
أيّها الإخوة، إنّ حضور الخِدَم الإلهيّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة - أيام الآحاد أو الأعياد - لم يكن أبدًا أكثر أمانًا ممّا هو عليه اليوم. الحقيقة هي أنّه لم يكن آمنًا أبدًا أن تكون مسيحيًّا.
يوجد في السَّراديب حول روما، رفات لعدد من شهداء المسيح أكثر من عدد سُكّان مَدينتي - أكثر من نصف مليون شهيد. لطالما شكّل ذهابُهم إلى الكنيسة وكَونُهم مسيحيّين خطرًا عليهم وسينطبق الأمر عينه على كلّ جيل من المسيحيّين، إلى دهر الداهرين.
لذا، أرجو أن تضعوا جانبًا فكرة أنّكم ستعودون إلى الكنيسة عندما يصبح الوضع آمِنًا، لن يأتي ذلك اليوم أبدًا.
إمّا أن تقرّروا أن تعيشوا كمسيحيّين وتعودوا إلى الكنيسة، أو لن تعودوا أبدًا.
المصدر:
آخر المواضيع
تيك توكر يونانية شهيرة تصبح راهبة أرثوذكسية
الفئة : مواضيع متفرقة
تَقريظٌ لقطع رأس النّبيّ السّابق المجيد يوحنّا المعمدان
الفئة : مواضيع متفرقة
مَحبَّةُ الذّات: هوى عصرِنا الحاضر
الفئة : مواضيع متفرقة
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني