الكنيسة وجوهرها
الأرشمندريت غريغوريوس اسطفان
محاضرة للأرشمندريت غريغوريوس اسطفان رئيس دير رقاد والدة الإله – بكفتين
ألقيت في كنيسة التجلي-شكا في 10 آذار 2020
الكنيسة، بالنّسبة للإنسان المسيحيّ، هي مركز حياته، هي بيته والمكان الذي ينمو فيه مع الله. إن أردنا أن نعيش حياةً مسيحيّة ًصالحة، علينا أن نعرف كيفيّة عيش عمل المسيح الخلاصيّ الذي أتمّه على الأرض بموته وقيامته. فالمسيح أعطانا سرًّا خلاصيًّا، سرّ خلاص نفوسنا. لهذا، اتحادنا بالمسيح وسعينا إليه، لا يتمّ إلاّ عبر الكنيسة، لأن سرّ الخلاص هذا لا يوجد إلّا فيها.
نحن ننظر إلى الكنيسة، في بعض الأحيان، على أنّها مؤسّسة أو جمعيّة. لكنّها ليست كذلك، بل "هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (أفسس 1: 22-23). فالمسيح اتّخذ طبيعتنا البشريّة وقدَّسها وألَّهها، وترك لنا هذه الكنيسة (أي جسده)، لكي نتّحدَ به من خلالها، أي نتّحد بالله عبر اتّحادنا بالكنيسة.
المسيح موجودٌ في هذه الكنيسة دائمًا، فهو الذي قال لتلاميذه "وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ" (متى 28: 20). ونحن بدورنا نستمرّ في المسيح عندما نحيا في هذه الكنيسة، أي عندما نعيش حياتنا المسيحيّة بعمقٍ. فالحياة مع الله لا يمكن أن توجَد في مكان آخَر غير الكنيسة.
عندما خلق الله الإنسان، وضعه في الفردوس لكي ينمو في معرفته. لكن بعد فقدانه الفردوس بسبب الخطيئة، أعاده المسيحُ إليه من خلال الكنيسة. لهذا، يشبّه الآباء القدّيسون الكنيسةَ بالفردوس الذي كنّا قد فقدناه. هي فردوسٌ بكلّ ما للكلمة من معنى، لأنّها تقودُ الإنسانَ إلى ملكوتِ الله. لا خلاص خارج الكنيسة، أي على الإنسان المسيحيّ أن يعلم أنّه لن يخلصَ خارجها حيث الضلال والهلاك.
إن أراد الإنسانُ أن يخلصَ، عليه أن يقبلَ كلَّ ما تعلّمه الكنيسة وأن يعيشه. عندما يبدأ الإنسانُ بالإلتجاء إلى أفكاره وتصوراته الخاصّة عن المسيح والخلاص، يصلُ إلى الضّلال، فيستحيل عليه إطلاقًا أن يصلَ إلى المسيح الحقيقيّ. خبرة الكنيسة هي التي تركها لنا الله نفسه. ونحن نحصل على الرّجاء بالخلاص بطاعتنا لهذه الخبرة، أي بطاعتنا لإيمان الكنيسة وقوانينها. لهذا أيّ انحراف بالعقائد والإيمان يؤدّي إلى انحرافٍ في مسيرة الخلاص.
غالبًا ما نظنّ أنّ الكنيسةَ هي كيانٌ بشريٌّ تتمثّل بالكاهن والمرتّل ومجلس الرعيّة، فنحكم عليها من خلال أشخاص. إلاّ أنّها، كما ذكرنا سابقًا، جسدُ المسيح. نحن المؤمنون أعضاء في هذا الجسد الذي تتنوع فيه المواهب. فقد أعطيَ للكاهن أن يكون رأسًا، أي أن يقود جماعةَ المؤمنين إلى المسيح. كلّ عضوٍ في هذه الكنيسة مدعوٌّ أن يعملَ بحسب الموهبة التي وهبه إيّاها الله. تعرفون مصير العبد الذي طمر الوزنة أي موهبته التي هي عطيّة من الله، لذلك على الكاهن بصفته رأس الجماعة، أن يساعد المؤمنين على اكتشاف مواهبهم وتنميتها وتفعيلها، لأنّ هذه الموهبة هي وسيلة خلاص الإنسان. الكنيسة ليست انعزالًا وفرديّة بل شركة، ولا يمكن أن يعيش كلّ مسيحيّ بمفرده، لأنّ المسيح أتى لكي يُتحدنا بجسده الذي يُعطينا الحياة الحقيقيّة، فهو الذي قال لنا "اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ." (يو 15: 4). هذا الثبات يتمّ حصرًا في الكنيسة.
الكنيسة لها طابعٌ إلهيٌ وآخر بشريَ، هي جسد المسيح المتألّه الذي منه ننال التقديس والتألّه. الملائكة هم أيضًا أعضاء في الكنيسة "لِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ، بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ" (أف 3: 10)، ينفِّذون أيضًا إرادة الله ويساعدوننا لمعرفة مشيئته عبر مساعدتنا في مسيرة خلاصنا التي تحصل حصرًا في الكنيسة التي رأسها هو المسيح.
إن المسيحيّة ليست تعاليمًا إيديولوجيّةً، وليست أفكارًا نظريّةً مجرَّدة بل خبرةَ حياة تؤدّي إلى الخلاص. يسمّي القدّيس إيريناوس (202†) الكنيسة بــ"باب الحياة الوحيد"، فالإنسان لن ينال الحياة إلاَ من خلال الكنيسة.
الكنيسة هي الفردوس الحقيقيّ، الذي أعاده الله لنا بموته وقيامته وصعوده إلى السماء وإرساله الروح القدس. لقد أعطانا ما هو أفضل من الفردوس القديم، إذ أعطانا مكانًا فيه، نتحد به. يختصر دستورُ الإيمان إيمانَنا المسيحيّ بإعطائه أربع صفات مهمّة للكنيسة هي واحدة وجامعة ومقدَّسة ورسوليّة. لا تكون الكنيسةُ كنيسةً إن لم تتحلّى بهذه الصفات الأربعة. يُخطئ من يؤمن بوجود عدّة كنائس، لأنّ الكنيسةَ واحدةٌ وهي مقدّسة وجامعة ورسوليّة في الوقت عينه، وهذه الصفات مرتبطة ببعضها البعض وعند فقدان واحدةٍ منها تفقد الكنيسة جوهرها ككنيسة يسوع المسيح.
وحدة الكنيسة:
الكنيسة واحدةٌ لأنّ الله واحدٌ، وهي مؤسّسة على هذه الوحدة. ذكرنا سابقًا أنّ الكنيسةَ هي جسد المسيح وأنّ المسيح هو رأس الكنيسة وللمسيح جسدٌ واحدٌ، إذًا الكنيسة هي واحدة. في مفهومنا الأرثوذكسيّ، الكنيسة لا تنقسم لأنّ جسدَ المسيح لا ينقسم. تفترض هذه الوحدة من جهة عدم وجود إنشقاقات، ومن جهة أُخرى تتميّز بفرادتها. الكنيسة لا تتكرّر، لا أحد يستطيع أن يبتكر أو أن يؤسس كنيسةً، لأنّها وُجِدَت مرّةً واحدةً، وستستمّر إلى نهاية الأزمنة. لا وجود لكنيسة غير التي تركها ربّنا يسوع المسيح، فهي غير قابلة للتجزئة أو الإنقسام. هذا أهمّ مبدأ عقائديّ متعلّق بالكنيسة، وقد شدَّد عليه الرسل والآباء القديسون. أبدى آباء الكنيسة استعدادهم للموت كي لا يتغيّر حرفٌ واحدٌ من هذا الإيمان. ركّز بولس الرّسول في رسائله على تجنّب الإنشاقاقات والتحزّبات "أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ:«أَنَا لِبُولُسَ»، و«َأَنَا لأَبُلُّوسَ»، وَ«أَنَا لِصَفَا»، وَ«أَنَا لِلْمَسِيحِ». هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟" (1كور 1: 12). إذًا المسيح لا ينقسم، وكلّنا نتبع هذا الإيمان الذي حدّدته الكنيسة بعقائدها.
يختلف المفهوم الأرثوذكسي في موضوع وحدة الكنيسة عن المفهوم الكاثوليكي القائم على الإعتراف بالبابا، أمّا في المفهوم الأرثوذكسي فيسوع المسيح هو فقط الرأس. عندما نمتلك الإيمان الصحيح الذي سلَّمه المسيح للكنيسة نكون أعضاءً فيها. قال المسيح لبطرس: "أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي" (مت 16: 18)، هذه الصخرة بحسب تعاليم آباء الكنيسة ليست شخص بطرس، لأنّ الكنيسة لا تُبنى على شخصٍ بشريّ بل على المسيح الذي هو الصخرة، أي على إيمان بطرس الذي شهد به عندما قال للمسيح "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!" (مت 16: 16). إذًا نحن نتّحد في الكنيسة الواحدة بإعتراف الإيمان الواحد. لهذا يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس: "رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ" (أف 4: 5). أي أن الله هو واحدٌ، بالتالي لا يمكن أن يوجَد أكثر من إيمان واحد. ومن يغيّر هذا الإيمان يغيّر المسيح، من يحرّف هذا الإيمان يشوّه صورة المسيح. أمّا المعمودية الواحدة فتشير أيضًا إلى الكنيسة الواحدة لأنّنا بها نلج الكنيسة. يقول القديس يوحنا الذهبيّ الفم: "حين نؤمن جميعنا بالإيمان ذاته حينها تتحقّق الوحدة". تعلمون أنّ الكثير من البدع والهرطقات المنتشرة اليوم تُطلق على ذاتها إسم كنيسة، بذلك يحاولون أن يضلّلوا الناس بأفكارهم. لذلك علينا أن نرفض هذه الأفكار، وأن نكون أمناء لكنيستنا ووحدتها. عندما لا ترتكز الوحدة على الإيمان الواحد، يبقى كلّ ما نقوم به بشريًا وعالميًّا يتحقّق على الأرض، لكنّه يبطل عند الله.
وجود عدّة كنائس أرثوذكسيّة محليّة لا يناقد وحدة الكنيسة، لأنّها في الواقع كنيسة أرثوذكسيّة واحدة. حيث يكون الإيمان الواحد هناك تكون الكنيسة. وبغية الحفاظ على هذا الإيمان الواحد، يجب أن نقتني "فِكْرًا وَاحِدًا" (فيليبي 2: 2)، وهذا الفكر الواحد لا يمكننا أن نقتنيه إلاّ إذا أطعنا الإيمان الواحد وتقليد الكنيسة الواحد. لذلك يقول بولس الرسول: "أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلاً وَاحِدًا، وَلاَ يَكُونَ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ، بَلْ كُونُوا كَامِلِينَ فِي فِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ" (1 كور 1: 10).
يتحدَّث القديس إيريناوس على ضرورة أن يكون الأساقفة فكرًا واحدًا. أمّا في موضوع الكنائس المحليّة، يقول: "من هنا تأتي وحدة الأساقفة الذين رغم أنهم عديدون ولكن يؤلّفون وحدة بفعل تطابق طريقة تفكيرهم" أي أن يقتنوا فكر المسيح ليكونوا واحدًا. لا يستطيع الإنسان أن يقتني فكرًا خاصًّا به عن الكنيسة والأسرار والخلاص.
يُعَبَّر عن هذه الوحدة بالأسرار، بسرّ الإفخارستيّة بشكلٍ خاص. الإيمان الأرثوذكسي ليس نظريًّا ولا عقلانيًا كإيمان الفلاسفة، بل هو إيمانٌ يُعاشُ ويُختبر بالأسرار، أي تحوّل الكنيسة الإيمان النظريّ إلى إيمانٍ حيّ. يتجسّد يسوع المسيح في حياتنا ونعيش هذه الوحدة معه. تُجسّد المعمودية الواحدة وحدة الكنيسة، وتوحّد المؤمنين مع بعضهم البعض لحظة النزول في جرن المعموديّة. تكتمل هذه الوحدة وتتجلّى في كلّ قدّاس إلهيّ حيث نجتمع ونتناول جسدَ ربّنا يسوع المسيح ودمه من الكأس الواحدة. يقول القديس إيريناوس:" إيماننا يتّفق مع الإفخارستيّا، والإفخارستيّا تثبّت إيماننا".
أدرجت الكنيسةُ دستورَ الإيمان في كلّ الأسرار خاصّةً في القدّاس الإلهيّ، حيث نتلو دستور الإيمان قبل المناولة. من لا يشترك بإيمان الكنيسة الواحد لا يمكنه أن يشترك في الذبيحة الإلهيّة وبعمق هذا السرّ المقدس. المناولة مسؤوليّة على عاتق كلّ إنسان، فإن لم يكن عضوًا في هذه الكنيسة وإن لم يعترف بإيمانها، تتحوّل هذه المناولة إلى دينونة له. فمن تناول دون أن تتجدّد قواه بالمعموديّة الواحدة، تغدو هذه المناولة له نارًا محرقة. تتجدّد هذه الوحدة وتتحقّق فعليًّا في كلّ قدّاس إلهيّ. يقول بولس الرسول: "فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ." (1كور 10: 17). ويعلّق القديس يوحنا الذهبيّ الفم على موضوع الوحدة قائلًا: "ماذا يصبح المتناولون؟ يصيرون جسدَ المسيح، جسدًا واحدًا لا أجسادًا متعدّدة، كما أنّ الخبز المكوّن من حبّات القمح ليس إلاً خبزًا واحدًا. الخبز الواحد الذي نتناول منه مكوّنٌ من عدد لا يحصى من حبّات القمح المطحونة، لكنّها امتزجت كلّها لتشكّل خبزةً واحدة. هكذا علينا أن نُعجَن ونُمزَج كحبّاتِ القمح هذه، لنصيرَ خبزةً واحدةً، التي هي جسد المسيح ذاته. عندما نشترك في هذا السرّ المقدَّس نصبح جسدًا واحدًا وبالتالي دمًا واحدًا. هنا يكمن الحضور الحقيقيّ والواقعيّ للمسيح وسط شعبه. هكذا يكون حضور المسيح معنا إلى منتهى الدهر، ممتدًّا وفاعلًا في الكنيسة. عندما نشترك في أسرار المسيح لن نكون شعبًا كباقي شعوب العالم الذين لا يعرفون المسيح. هم وُلدوا ولادةً جسديّةً فقط، أمّا نحن باتحادنا بالمسيح نكون قد وُلدنا من فوق. كما يقول المسيح لنيقوديموس: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ" (يو 3: 3). بدم المسيح الذي يسري في جسدنا، يجعلنا المسيح آلهةً بالنّعمة. يقول القديس غريغوريوس بالاماس: "إنّ الكنيسة ترفع الإنسان إلى السّماء وتقدّمه إلى الله الذي هو فوق كلّ شيء". ويقول القديس كبريانوس القرطاجيّ أيضًا: "لا يقدر الله أن يكون أبانا إن لم تكن الكنيسة أمَّنا".
كما أنّ الكنيسة هي واحدةٌ في الإيمان، كذلك هي واحدةٌ في المحبّة. إذ لا يكفي أن نتّحد في الإيمان الواحد إن لم نجسّد محبّة المسيح فينا وبيننا. علينا أن نعرف كيفيّة تطبيق وصايا المسيح لنتمكّن من المشاركة في هذه الأسرار. من أراد أن يتّحد بالمسيح عليه أن يُجاهد في سبيل تطبيق وصاياه. وأعظم وصيّة أُعطيَت لنا هي وصيّة المحبّة. هذه الوصيّة تدعو إلى تغيّر جذريّ في حياة الإنسان وعلاقته مع الآخرين. تفترض المحبّةُ أن يصبحَ الإنسان مسيحًا ثانيًا. علينا أن نعيش كلّ الوصايا بالمحبّة، أي أن نحبَّ الآخَر كنفسنا كما أوصانا المسيح: "أَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ" (مت 19: 19). إذًا محبّتنا لله أساسيّة وهي مرتبطة بشكلٍ وثيق بمحبّتنا لبعضنا البعض. تحقّق المناولة الوحدة إذا استطعنا أن نتّحد بالمحبّة التي هي الوحدة مع يسوع المسيح. لا تتعارض هذه المحبّة مع الإيمان والعقيدة ولا تهمشهما. فالمحبة ليست نظريّة، إذ يجب عليها أن تَعبُرَ في الإيمان، وأن تكون مستمدَّةً منه. إن لم تقودنا إلى عيش الإيمان بملئه، لا تكون محبّةً حقيقيّة بل بشريّة. لذلك يقول الكاهن في القداس الإلهيّ: "لنحبَّ بعضنا بعضًا لكي بعزمٍ واحدٍ نعترفَ مقرّين". كلّ ما نأخذه من الكنيسة هو مستمَدٌّ من الله لا من البشر. فالله هو مصدر المحبّة، وهو الذي يعطينا نعمةً تؤهّلنا لامتلاك هذه المحبّة. وانطلاقًا من هذه المحبّة التي لا تنفصل بأي شكل عن الإيمان، نقرّ معترفين "بآبٍ وابنٍ وروحٍ قدسٍ، ثالوثٍ متساوٍ في الجوهر وغير منقسم". إعترافنا بالثالوث هو إعترافٌ بكلّ العقائد. إذًا وحدة المحبّة لا تُبطل الإيمان والعقيدة والتمسك بهما. هناك من يروّج إلى تهميش العقيدة متعلّلًا بمحبّة الآخرين. بهذه الطريقة يفصل العقيدة عن المحبّة. لقد أتى المسيح ليشهد للحقّ، أي ليس هناك من محبّة خارج نطاق الحقيقة. فالمحبّة الحقيقيّة هي وليدة الإيمان الحقيقيّ.
لا تتأثر وحدة الكنيسة بالانشقاقات التي حصلت عبر التاريخ، لأنّها مبنيّةٌ على الإيمان الحقيقيّ الذي سُلّم إلى الكنيسة، وهي بدورها حافظت عليه. الذين يخرجون من الكنيسة لا يمسّون وحدتها بل يحطّمون وحدتهم بها، وأصبحوا عثرة للمؤمنين وعلّةَ تشويش. الكنيسةُ ساهرة على إيمانها، وتفرز كلّ من يشوّهه. لذلك اعتبر آباؤنا أنّ الهرطقة والبدعة هي أشنع خطيئة، وهي بذاتها تجديفٌ على الرّوح القدس. الشيطان هو الدافع لكلّ هرطقة، وحيث يوجد الشّيطان هناك يكون الهلاك.
آخر المواضيع
آباء الفيلوكاليا
الفئة : عظات اﻷرشمندريت غريغوريوس اسطفان
من هم الروم الكاثوليك؟ (1724 - 2024) (3/3)
الفئة : عظات اﻷرشمندريت غريغوريوس اسطفان
من هم الروم الكاثوليك؟ (1724 - 2024) (2/3)
الفئة : عظات اﻷرشمندريت غريغوريوس اسطفان
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني