الاعتراف بالخطايا، وبغضُها، والإعراض عنها:

كلمةٌ للّذين يستعدّون لتناول الأسرار الإلهيّة.

الاعتراف بالخطايا، وبغضُها، والإعراض عنها: كلمةٌ للّذين يستعدّون لتناول الأسرار الإلهيّة.

القدّيس إينوكنديوس الّذي من خيرسون.

نقلته إلى العربيّة: جويْ موسى.

 

وقال يشوع للشّعب: «تَقَدَّسُوا لِأَنَّ ٱلرَّبَّ يَعْمَلُ غَدًا فِي وَسَطِكُمْ عَجَائِبَ» (يشوع ٥:٣).

 

هذا ما سَبَقَ وقاله يشوع بن نون، للشّعب اليهوديّ جميعُه، مُعِدًّا إيّاه للعبور العجائبيّ لنهر الأردن. قد تعتقد بأنَّ نهر الأردن نفسه يكفي للتّطهير. مع ذلك، كان ضروريًّا أن يعبروه، مُطَهَّرين مسبقًا. أعجوبةٌ كانت ستحدث، ووجود يد الله، يتطلّب طهارةً وقداسة. تقدَّسوا؛ لأنّ الّربّ يعمل غدًا في وسطكم عجائب.

 

لا يَجدُرُ بنا عبور نهر الأردن في الغداة، أيّها الإخوة، لكن علينا أن نتقدّم من المائدة المقدّسة، لتناول جسد ودم مخلِّصنا. أيُّهما أعظم: مياه الأردن أم دم ابن الله؟ بالتّأكيد، ستقولون كلّكم، إنّ ما نملكه هنا هو أعظم، وأعظم بمئات المرّات من الأردن. لذلك، قدِّسوا نفوسكم. لنهتفْ بكم بصوت بن نون: «تقدَّسوا لأنّ الربّ يعمل غدًا في وسطكم عجائب». عجائب سيناء وصهيون، هي لا شيء مقارنةً بما سيصنعه الرّبّ.

 

«تقدَّسوا»: من المستحيل، ألّا يجد أولئك، الأكثر يقظةً وانتباهًا لأنفسهم ولمخلِّصهم، شيئًا غير طاهرٍ فيهم، بقدر ما يَلِجون أكثر إلى أعماق قلوبهم، ويفهمون ما الّذي سيقتربون منه، ويتناولونه في الغد. إن كانت عينُ الله، الكليّ الاقتدار، كما وردَ في سفر أيّوب الصّدّيق، تُبصِرُ أحيانًا حماقةً في ملائكته (أيّوب ١٨:٤)، أفلا يرصد عيوبَنا نحن؟ إن كان على الرّسل، أن يَغتسِلوا ليشاركوا في العشاء السّرّيّ، أنتقدَّم نحن من دون أن نغتسل؟ إن قُلنا إنَّه ليسَ لنا خطيئةٌ، فإنّنا نخدع أَنفسَنا، وليسَ الحقُّ فينا. وهذا ينطبق علينا جميعًا (١ يوحنّا ٨:١). كلُّنا خَطّاءون، ونحتاج تطهيرًا. وماذا عن أولئك الّذين، لسوء الحظّ، تركوا حديقة نفوسهم مُهمَلةً بالكليَّة، ويعيشونَ خارجَ ذواتِهم، ولا يعملونَ عليها، إلّا عند تفاقم الظّروف، أو بدافع المشاعر؟ قد يَجد هؤلاء الأشخاص، أنَّ بيت نفسهم مُقفِرٌ وساقطٌ. إذا ما عادوا إلى هيكلهم الدّاخليّ، وإذا ما نظروا إلى مرآة ضميرِهم، قد يُدرِكون أنَّه «مِنْ أَسْفَلِ ٱلْقَدَمِ إِلَى ٱلرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ» (أشعيا ٦:١).

هل يستطيع هؤلاء الأشخاص، الذين لا يبتغون سوى رحمة الله، الاقترابَ من مائدة الرّبّ، من دون تطهير؟ على العكس تمامًا، فنَظَرًا لجراح النّفس الكثيرة، على هؤلاء الأشخاص الامتناع عن الاشتراك في القرابين الإلهيّة، لفترة من الوقت. ولكنّ الابتعاد عن هذا الدّواء الشّافي، لفترةٍ طويلةٍ، قد يؤدّي إلى مخاطرَ وأضرارَ جمَّة. تُصبح النّفس «بِطولِ تَباعُدِها منَ الشَّركةِ»، كما يقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفَم، «فريسةً للذّئبِ العقليّ» (الإفشين الثّالث من أفاشين المطالبسي). لذلك، فليَصِر الاشتراك في الأسرار الإلهيّة، دواءً شافيًا للمتناولين منها، وغذاءً روحيًّا؛ فيُشدّدَهم في حروبهم الرّوحيّة، شرطَ أن يتطهَّروا بالتّوبة، وبالاعتراف.

 

علينا قضاء حياتِنا كلّها، في هذا العمل العظيم. فبضع ساعاتٍ لا تكفي. غير أنَّه، في السّاعاتِ القليلةِ المتبقّية حتّى الصّباح، يمكن عمل الكثير؛ يمكنها أن تكون، بدايةً لتوبةٍ حقيقيّةٍ، وغفرانًا للخطايا السّالفة، وبَرَكةً لاقتناء الفضائل مستقبَلًا. إذا لم تحملِ البدايةُ معها الاستمراريّةَ والنّجاحَ، فلا نجاحٌ ولا استمراريّة. علينا أوّلًا، الشّروع في العمل؛ لكي نستمرّ، ونصل إلى الكمال. اِبدأ بالعمل، على ما يجب أن يستمرّ طَوال حياتك؛ اِبدأ بالشّيء الّذي من دونه لا تكون مسيحيًّا، ولا حتّى إنسانًا؛ اِبدأ بالعمل على خلاصك. أيّ طريقٍ أفضل من العَزم المبارك، لوضع حدٍّ لخطاياك؟ أيّ طريقٍ أفضل، من النّهوض من قبرِ الأهواء والرّذائل، لاستقبال نهار القيامة البهيّ؟ أيّ علامةٍ أنسب من هذه، تُعطيها لعهدك مع الرّبّ؟ حقًّا، سيكون هذا عهدًا جديدًا لك ولله؛ ذاك العهد الّذي ينتظره منك، منذ ولادتك.

 

هل من الصّعب، التّخلّي عن الرّذيلة إلى الأبد؟ هل تعتقد حقًّا، أيّها الحبيب، بأنَّك سوف تبقى عبدًا لها إلى الأبد؟ من الضّروريّ التخلّي عن هذه الحيّة في مرحلةٍ ما؛ الحيّةِ الّتي، بينما تُلهيكَ بالتفافِها وشكلِها، تُوجِّه لك، في الوقت عينه، ضربةً قاتلة. لا يمكنك أن تبقى خاطئًا، من دون أن تتحوَّل شيطانًا. هل تودُّ أن تصبح شيطانًا في سبيل الخطيئة؟ هل حصلتَ على اللّذّة من الخطيئة؟ لكن أَلم تُسبِّب لك الألمَ، مئات المرّات؟ لِكَم من الوقت أَزهرَت لكَ وَردًا؟ ولكنَّها أنبتَت أشواكًا أيضًا، وسوف تُنبِتُ أشواكًا فيما بعد. أسرِعْ، للخروج من الهاوية، قبل أن تُطلَب نفسُك، وتقبض عليك الأشواك؛ قبل أن تُضِلَّ الطّريق بالكامل، وقبل أن تجذبك خطاياك إلى الهاوية.

 

إذا كان خلاصُ نفسك، يتطلّب شيئًا عظيمًا، فعليك بكلّ تأكيدٍ، أن تفعل كلّ ما هو لازم. ألستَ مُستعدًّا للقيام بأيّ شيءٍ، من أجل خلاص جسدك؟ لكن ما الجسد مقارنةً بالنّفس؟ مهما اعتنيتَ بجسدك، فسوف يتركك بعد سنواتٍ قليلةٍ، ويرقد في القبر، ويصبح عرضةً للفساد، لكنّ النّفس هي لكَ، ومعك إلى الأبد. ألا تَهتمُّ بها؟ ألستَ مستعدًّا لمكابدة أيّ شيءٍ من أجلها؟ وما الّذي ستُكابده؟ ما المطلوب منك؟ الاعترافُ بخطاياك المعلومةِ عند الله والملائكة، وربّما الكثير من البشر، وإبغاضُ الخطايا، الّتي أَبعدَتْكَ عن الله، وسَبَّبَت لك الموتَ الرّوحيّ والجسديّ وأَودَتْ بك إلى الجحيم، والإعراضُ عنها من الآن فصاعدًا. هذا كلّه، لا يمكنك إلّا أن تشعر به، إذا ما أحسستَ بِسُمِّ الملذّات الآثِمة. هل يمكن أن يكون المطلوب منكَ، أقلّ أو أكثر صَلاحًا، أو أكثر ضرورةً من ذلك؟ إذا لم تفعل ذلك، وأصبحتَ إناءً هالكًا -وبالتّأكيد سوف تهلك إذا لم تفعل ذلك- عندها عليك أن تقول «لقد أهلكتَ ذاتكَ» (هوشع ٩:١٣).

 

إذن، تَقدَّسوا، أيّها الإخوة، وأقول أيضًا تَقدَّسوا. إذا فَعلتُم ذلك، وتَصالَحتُم مع الله، وبَدأتُم بإصلاح أَنفسِكًم، وقَطَعتُم عهدًا ثابتًا بقضاءِ ما تبقّى من حياتِكم بالطّهارةِ والقداسةِ، فإنّ الرّبّ سيعمل غدًا في وسطكم عجائب. لكن إِن لم تُطهِّروا نفوسكم، واقتربتم من كأس العهد بتهاونٍ ورياءٍ، ومن دون انسحاق، عندها سَيُسرِع عدوُّ الخلاص إلى إحضار «سَبْعَة أَرْوَاحٍ أُخَرَ أَشَرَّ مِنْهُ» إليكم (لوقا ٢٦:١١).

آمين!

 

https://orthochristian.com/138963.html