عظةٌ عن رسالة الأحد الثّامن بعد العنصرة

عظةٌ عن 1 كورنثوس (1: 10 – 17).

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس.

نقلها إلى العربيَّة: نديم سلُّوم.

 

كانت كنيسةُ كورنثوس، الّتي أسَّسها بولسُ الرّسول، كنيسةً مباركةً، كما يتّضح من الرّسالتَين اللّتين أرسلهما، ومن مواهب الرّوح القدس الّتي كانت غنيّةً وجليَّة. من بين هذه المواهب، كانت النّبوَّة، والحكمة، والمعرفة، وتمييز الأرواح، ومواهب الشّفاء، والتّكلُّم بالألسنة. عبرَ الموهوبينَ والمواهب، يتجلّى الرّوح القدس في الكنيسة، جسدِ المسيح المبارك، بِطَرائقَ مختلفة. كانت كورنثوس حقًّا، مدرسةً لاهوتيّةً للكنيسة الأولى.

في الوقت نفسه، يجتمع الموهوبونَ هؤلاء، من أجل سرِّ الإفخارستيا الإلهيّ، ولتمجيد المسيح المصلوب القائمِ من بين الأموات، والاعترافِ بإيمانهم به، وشكرِه على العطيّة الّتي جعلتهم ينتصرون على الشّيطان، والخطيئة والموت، والاشتراكِ في جسده ودمه. ومع ذلك، خلال اجتماعات أعضاء الكنيسة، وبسبب المواهب المتنوّعة الّتي حصلوا عليها، انتشرَت بينهم بعضُ الاضطرابات، بخصوص أيّ موهبةٍ هي الأعظم؛ لهذا السّبب أُجبِر بولسُ الرّسول، في رسالةٍ أرسلها إليهم، على ترتيب كيفيّة تجلّي المواهب. كما هي الحال في الكنيسة اليوم، لدينا «التّيبيكون»، الّذي يحدِّد كيفيّة أداء الخِدم، وترتيل الطّروباريّة، والتّناوب في التّراتيل... هكذا أنشأ بولس الرّسول، في كنيسة كورنثوس، «تيبيكون» للتّرتيب، يجب على الموهوبين مراعاتُه في اجتماعاتهم.

عند قراءة تلك الرّسالة، نرى بوضوحٍ القوّةَ الّتي للرّوح القدس، ووجودَ العديد من الموهوبين في أثناء إتمامِهم للإفخارستيا الإلهيَّة. اجتمع أعضاءُ الكنيسة لإتمام الإفخارستيا المقدّسة، وحضرها المسيحيّون ذوو المواهب المتنوّعة، من لاهوتٍ، ونبوَّةٍ، وشفاءٍ، والتّكلُّم بالألسنة وتفسيرها...

ومع ذلك، حدثَ في الكنيسة الأولى، تشتُّتًا وانقسامًا؛ فكانت كلُّ مجموعةٍ من المسيحيّين، تُعلِنُ ولاءَها لرسولٍ ما. ولهذا، فقدْ عدَّ البعضُ بولسَ قائدًا لهم، والبعضُ الآخر بطرسَ، والبعضُ الآخر أبّولوس، وكان هناك آخرون قالوا إنّهم ينتمون إلى المسيح. يوبِّخهم بولس الرّسول على هذا السّلوك، ويطلب إليهم جميعًا، أن يتّفقوا فيما بينهم باسم يسوع المسيح، وألّا تفرّقَهم أيّ انقساماتٍ، وأن يتَّحدوا جميعًا «بِفِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأيٍ وَاحِدٍ».

يتَّضح أنَّه، على الرّغم من إتمام الإفخارستيا الإلهيَّة، وحضور المسيحيّين الموهوبين فيها، كانت هناك حاجةٌ إلى الوَحدة بينهم. مع مرور الزّمن ونموّ الكنيسة، ظهرت رتبةُ الأسقف. والأسقف هو رأسُ الكنيسةِ، أي المسيح. والكنيسةُ بدورِها - مع الموهوبين كلِّهم – يجب أن تطيعَه، خلال اجتماعها للاحتفال بسرّ الإفخارستيا. وتجدر الإشارة إلى أنّ وَحدة الأساقفة أيضًا، كانت أمرًا ضروريًّا. من المهمّ في موضوع الوَحدة، ما يقوله كتاب «تعاليم الرسل». يبدو أنَّه مع نموِّ الكنيسة، وانتشارها في أنحاء العالم، كانت هناك حاجةٌ إلى التّشديد على الوَحدة المرئيَّة ومحورِها. كان محورُ الوحدة هذا، هو الأسقف وليس النّبيّ.

في هذا الكتاب، وبعد ذكر الموهوبين المسيحيّين كلِّهم، يُقال: «والأعلى منهم جميعًا، هو رئيس الكهنة، أي الأسقف». هو خادمُ الكلمة، وحارسُ المعرفة، ووسيطٌ بين الله والمسيحيّين، في أثناء العبادة، ومعلِّمُ التّقوى، وأبُ المسيحيّين بعد الله. هو حاكمُ المسيحيّين وقائدُهم؛ هو ملكٌ وسلطان؛ هو إلهٌ أرضيٌّ بعد الله، يجب تكريمُه. يجب أن يرأس الأسقفُ المسيحيّين جميعَهم، بشرفٍ إلهيٍّ، ويجب أن يتولّى رئاسة الإكليروس، ويكونَ رأسَ الشّعب. كما يقول الكتاب، إنَّ الأسقف هو الرّأس؛ ولهذا، ليس من الصّواب الانتباه إلى الذّيل، أي الأشخاص العلمانيّين المتمرِّدين، لئلّا ينقادَ لهم فيقعَ في الضّلال. لكن عليه الانتباه إلى الله وحدَه. فالأسقف، يجب أن يكون حاكمُ الرّعايا، لا محكومًا أو موجَّهًا منها. ويجب أن يحصل أيضًا، على مواهب الرّوح القدس.

إنّ الكنيسةَ، هي جسدُ المسيح المبارك، وعلى المسيحيّين أن يمتلئوا من مواهب الرّوح القدس، أي اللّاهوت، والصّلاة، والمحبّة... ليجتمعوا في الإفخارستيا الإلهيَّة، والعبادة، ويعدّوا أسقفَهم رأسَهم، وبمكانة المسيح. تتشكّل وَحدة الكنيسة والمسيحيّين، من سرّ الإفخارستيا الإلهيّ، ومن الأسقف. هذه هي الرّوح الكنسيَّة وغايتُها، وخارجَها توجد انشقاقاتٌ تؤدّي إلى الضّلال.

 

https://www.johnsanidopoulos.com/2020/08/homily-for-epistle-reading-on-eighth.html