عظة في أحد إنتصار الأرثوذكسيّة

القديس إغناطيوس بريانشانينوف

القديس إغناطيوس بريانشانينوف
تعريب: روي صوايا

 

الأرثوذكسيّة هي معرفة لله ومَخافَتُه.
الأرثوذكسيّة هي عبادة الله بالرّوح والحقّ.
الأرثوذكسيّة هي تمجيد الله الحقيقيّ ومعرفته وعبادته.
الأرثوذكسيّة هي تمجيد لله من قِبَل الإنسان، الخادم الحقيقيّ لله، المُعطى له من خلال نعمة الرّوح القدس. الرّوح هو مجد الإنسان المسيحيّ (يو٧: ٣٩)
[1].
حيث لا يوجد الرّوح، لا توجد الأرثوذكسيّة.

لا يوجد أرثوذكسيّة في التعاليم البشريّة والفَلسَفات حيث تسود عَقلانيّات خاطئة - ثمار السقوط. الأرثوذكسيّة هي تعليم الرّوح القدس الّذي أعطاه الله للإنسان لخلاصه. حيث لا يوجد أرثوذكسيّة ليس هناك من خلاص. "كلّ من يريد أن يَخلُص يجب عليه قبل كلّ شيء أن يحمل الإيمانَ الكاثوليكيّ [أي الجامع]، الّذي، كلّ من لا يحفظه صحيحًا وبغير عيب ولا ريب، يهلك إلى الأبد" (من دستور الإيمان للقدّيس أثناسيوس[2]).

إنّ تعليم الرّوح القدس لهو كنز ثمين! تمّ تعليمه في الكتاب المقدّس وفي التّقليد المقدّس للكنيسة الأرثوذكسيّة. تعليم الرّوح القدس هو كنز ثمين وفيه ضمانةُ خلاصِنا. فَنَصيبُنا المبارك في الأبديّةِ ثمينٌ، لا شيء يستطيع أن يأخذَ مكانتَه، ولا يُقارَن بشيءٍ. تعليمُ الرّوحِ القدسِ هو ثمين كما أنّه أسمى من كلّ جميع القِيَم الأخرى، وهو ضمان لِبَرَكَتِنا.

للحفاظ على خلاصِنا، تتلو الكنيسة المقدّسة اليوم على مَسامِع الجميع التّعاليم الّتي أفرزها ونَشَرَها الشّيطان[3] ألا وهي تعبير عن عَداوَتِه تجاه الله، والّتي توحي بالطَّعن فيما يتعلّق بخلاصنا، فَتَسلِخُنا عنه. تدحض الكنيسة هذه التّعاليم كما نطرد الذّئاب التي تبحث عن فَريسة، والثّعابين القاتلة واللّصوص والقَتَلة، حافظة إيّانا منها، ومُعيدةً من الهلاك المَخدوعين بواسطتها، فَتَحْرُم الكنيسة تلك التّعاليم وكلّ الّذين يؤيّدونها بِعِنادٍ.

إنّ كلمة أناثيما (anathemaαναθεμα-) تعني قَطع وفَرز. عندما تلعن الكنيسة تعليمًا ما، هذا يعني أنّ هذا التّعليم يحتوي تَجديفًا على الرّوح القدس، فيجب أن يُرفَض ويُنزَع، كما يتمّ استئصال السُّمّ من الطّعام. عندما يُلعَن إنسانٌ ما، هذا يعني أنّه تَبِعَ تعليمَ تجديفٍ  وهو يصرّ عليه ولا يتراجع عنه، وهكذا يكون قد حرم نفسه عن الخلاص مع كلّ أتباع هذا التعليم الّذين يوافقونه عليه. عندما يتعهّد شخص ما بالتخلّي عن التّعليم التَّجديفي وبالإقرار بالتّعاليم المُتَّبَعة في الكنيسة الأرثوذكسيّة، فإنّه مُلْزَمٌ، وفقًا لقوانين الكنيسة الأرثوذكسيّة، أن يَحرُم التّعاليم الخاطئة الّتي آمن بها قبلاً، الّتي كانت تهلكه وتفصله عن الله، وتجعله في عداوة مع الله من خلال التّجديف على الرّوح القدس، والشركة مع الشّيطان.

كلمة أناثيما تعني علاج الكنيسة الرّوحي لمرض في النّفس البشريّة يسبّب موتًا أبديًّا. كلّ التّعاليم البشريّة تُسَبِّب موتًا أبديًّا إذا تمّ إدخال فكرَها الخاصّ المُستَمَدّ من بَراهين خاطئة مَزعومة، من الفكر الأهوائيّ - هذا الميراث المشترك للأرواح السّاقطة والبشر - في تعليم الإعلان الإلهيّ عن الله. الفلسفات البشريّة الّتي أُدخِلَت على تعاليم الإيمان المسيحيّ تُدعى هرطقات، واتِّباعُ هذه التعاليم يُسَمّى بالإيمان الشّرير[4].

إذ نستمع اليوم لتلاوة العلاج الرّوحي الرّهيبة[5]، دَعونا نقبلُه بمفهومهم الصحيح، وإذ نغرسه في نفوسنا، دعونا نتخلّى بِصِدق وحَزم عن تلك التّعاليم المهلِكة الّتي تقطعها الكنيسة بالحُرومات، لخلاص نفوسنا. إن كُنّا نرفضها، فَدَعونا نؤكّد رَفْضَنا لها من خلال صوت الكنيسة. إنّ الحريّة الرّوحيّة والإرتياح والقوّة الّتي سنشعر بها داخل أنفسنا هي شهادة لنا على صحّة عمل الكنيسة، وحقيقة التّعليم الّذي تُعْلِنُه.

تُعلِن الكنيسة:

إذ نبارك ونمدح أولئك الّذين أطاعوا الوحي الإلهيّ وجاهدوا من أجله، كذلك نرفض ونحرم أولئك الّذين يعارضون هذه الحقيقة، إذا كانوا وَهُم ينتظرون عودتهم وتوبتهم، يرفضون العودة إلى الرب؛ وبهذا نتبع التّقليد المقدّس للكنيسة الأولى، مُتَمَسِّكين بتقاليدها.

أولئك الّذين ينكرون وجود الله، ويؤكّدون أنّ العالم قائم بذاته، وأنّ كلّ الأشياء فيه تحدث عن طريق الصُّدفة، وليس عن طريق التّدبير الإلهيّ، أناثيما.

أولئك الّذين يقولون أنّ الله ليس روحًا بل جسدًا؛ أو أنّه ليس عادلًا، ليس رحيمًا، ليس حكيمًا ولا يعلم بكلّ شيء، وينطقون بِتَجاديف مماثلة، أناثيما.

أولئك الّذين يتجاسرون على القول إنّ ابن الله والرّوح القدس لَيْسا في جوهر واحد ومتساوِيَين بالكرامة مع الآب، ويعترفون بأنّ الآب والابن والرّوح القدس ليسوا إلهًا واحدًا، أناثيما.

أولئك الّذين يقولون بحماقة أنّ مجيء ابن الله إلى العالم بالجسد، وآلامه الطّوعيّة وموته وقيامته لم تكن ضروريّة لخلاصنا وتطهير الخطايا، أناثيما.

أولئك الّذين يرفضون نعمة الخلاص الّذي بشّر بها الإنجيل وأنها الوسيلة الوحيدة لتبريرنا أمام الله، أناثيما.

أولئك الّذين يجرؤون على القول إنّ العذراء مريم الفائقة الطّهارة لم تكن عذراء قبل الوِلادة، وخلال الوِلادة، وبعد الوِلادة، أناثيما.

أولئك الّذين لا يؤمنون أنّ الرّوح القدس قد ألهم الأنبياء والرّسل، وعلّمهم الطّريق الصّحيح إلى الخلاص الأبديّ، وأكّد ذلك بالمعجزات، وهو يسكن الآن في قلوب جميع المسيحيين الحقيقيّين والمؤمنين، ويعلّمهم بكلّ حق، أناثيما.

أولئك الّذين يرفضون خلود الرّوح، ونهاية الأزمنة، والدّينونة الآتية، والمكافأة الأبديّة للفضيلة والدّينونة للخطيئة، أناثيما.

أولئك الّذين يرفضون جميع الأسرار المقدّسة الّتي تحتفظ بها كنيسة المسيح، أناثيما.

أولئك الّذين يرفضون مجامع الآباء المقدّسين وتقاليدهم، المُتَّفِقة مع الوحي الإلهيّ وتحتفظ بها الكنيسة الأرثوذكسيّة الكاثوليكية، أناثيما. (من خدمة أحد الأرثوذكسيّة[6]).

لقد أصبح الحقيقةُ الإلهيةُ متأنّسًا ليخلّصنا من خلاله نحن الّذين مُتنا حين اقتبلنا وتَبَنَّيْنا كذبة مُهلِكة. فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الّذينَ آمَنُوا بِهِ: «إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كلّاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ» (يو٨: ٣١-٣٢). إن المُخلِص لتعاليم المسيح هو فقط الّذي يتخلّى عن كلّ تلك التّعاليم ويرفضها على الإطلاق، تلك التّعاليم التي ابتُدِعَت وما زال يتمّ الإعتقاد بها من قِبل الأرواح السّاقطة ومن مُتَجاوزي الشَّريعة، التّعاليم الّتي تتعارض مع تعليم المسيح، تعليم الله - وتشهّر باستقامته وقداسته. إن استقامة وقداسة التّعليم الّذي أعلنه الله هي محفوظة فقط وحَصرِيًّا في حضن الكنيسة الأرثوذكسيّة الشّرقيّة.

https://orthochristian.com/45266.html

 

[1]. "قَالَ هَذَا عَنِ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لِأَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ"

[2]. Phillip Schaff, Creeds of Christendom, with a History and Critical notes. Volume II. The History of Creeds (Harper & Brothers: 1877). pp. 66–71. http://www.ccel.org/ccel/schaff/creeds2.iv.i.iv.html.

[3]. المقصود هنا هي اللعنات ضد الهرطقات الواردة في سينوذيكون الأرثوذكسية الذي يُتلى في الأحد الأول من الصّوم: أحد الأرثوذكسيّة (المُعَرِّب)

[4]. القديس يوحنا السلّمي، سلّم الفضائل، العظة 1.

[5].  أي سينوذيكون الأرثوذكسيّة (المُعَرِّب)

[6]. يرد أيضًا في الخدمة الحُرومات التالية:
الذين يهزأون ويُهينون الأيقونات والرُّفات المقدّسة التي استلمَتْها كإعلانات لأفعال الله والذين أرضَوه، كي يُلهِم متّبعيها بالتّقوى، ويرفَعَهُم للتَّمَثُّل بهم؛ والقائلون بأنها أوثان، أناثيما.
المُتَجاسِرون بأن يقولوا ويعلّموا أن ربَّنا يسوع المسيح لم ينزل على الأرض، لكن بدا أنه نزل؛ أو أنه لم ينزل على الأرض وتجسّد مرة واحدة، لكن عدّة مرّات، وكذلك النّاكرون أن حكمة الله هو ابنه الوحيد المولود، أناثيما.
الذين يتبعون المَشِعوِذين والسَّحَرة وكا مَن لا يؤمن بالإله الواحد، بل يُكَرِّمون الشياطين؛ والذين لا يسلّمون حياتهم باتّضاع لله، لكنهم يسعَون لعرفة المستقبل بواسطة السِّحر، أناثيما.