هرطقات حديثة

مقتطف من عظة للميتروبوليت أغسطينوس كانتيوتيس أسقف فلورينا
تعريب: رولا الحاج

 

«لن نُنكِرَك أيّتها الأرثوذكسيّة الحبيبة» (جوزيف فريانّوس)
في الآونة الأخيرة، بدأ بعض اللاهوتيّين، تحت تأثير التيّارات المعاصرة في جميع أنحاء العالم، تَذُوُّق عبارة "المسكونيّة"، و"الروح المسكونيّة"، و"الحركة المسكونيّة"، كما لو أنّها حلوى شهيّة. المسكونيّة، يا لها من كلمة جميلة! ومع ذلك، وراء هذا الكلام، يكمن الخطر الأكبر على الأرثوذكسيّة. ما هو هذا الخطر؟ سأعرض لكم مثالاً.

تصوّروا امرأة مُخلِصة لزوجها، امرأة لا تسمح لطرف ثالث أن يدخل في علاقتهما، مُتَيقِّظة دائمًا للوعود التي قطعَتْها أمام الله وأمام رَجُلِها. إنّها امرأة ذات جمال استثنائيّ، وتُلفِت نظر الكثير من الرجال. وبسبب استقامتها، فإنّ تجرأ أحدٌ على لَمسِها او التحرَّش بها، فهي تَصُدُّه فورًا بجرأة. وإذا تمادى في إزعاجها، فَستصفَعُه هذه المرأة الشريفة على وجهه صفعة قويّة كي يعود إلى رُشدِه.

فالذي يُتقن عمل الرذيلة، سيُحاول طريقة أخرى. سيُحاول أن يَكتشف ما تُحبّه تلك المرأة. ألعلّها تُحبّ الشِّعر، أم الفلسفة، أم الفن؟ وبهذه الوسائل سيُوقِعُ بها هذا الشاب المُعجَب. وبحذاقة كبيرة، سيبدأ بإجراء أحاديث بسيطة معها حول المواضيع التي تُحبّها قائلاً: «يا لها من قصيدة رائعة!»، «يا لها من لوحة جميلة!»، يا له من عَزفٍ رائع!»، «ما أجمل هذه المقطوعة الموسيقيّة!». هكذا يبدأ الحوار. وشيئًا فشيئًا، يستدرج المُضِلُّ المرأةَ غير المُرتابة إلى حوار أطْوَل، وفيما هو يتحدّث عن الفلسفة والفن، يشتهي قلبُه بأن يأخذ المرأة لنفسه. أخيرًا، بعد إنشاء جوّ من الأُلفة والتفاهم المتبادَل من خلال هذه الحوارات، يُفتح الباب لإرتكاب الإثم، أعني العلاقة المُعيبة. تمامًا كما نجحت الحيّة الشريرة في إفساد حواء عن طريق حوار بسيط، فبالطريقة نفسها تمّ غَرس بذرة العلاقة المُشينة. 

هل فَهمِتم ما أحاول أن أقوله أيّها الأحبّاء؟ لقد كَلّمتُكم بِمَثَل.
المرأة التي تَحَدّثْنا عنها هي كنيستُنا الأرثوذكسيّة. إنها هذا الجمال! إنّها المرأة التي وفقًا لكتاب سفر الرؤيا «مُتَسَرْبِلَة بِالشَّمْس، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا
[1] » . إنّها الكنيسة الأرثوذكسيّة التي بَقيت مُخلِصة للربّ، للختن السرمديّ. هي التي حافظت على تقليد الربّ والرسل نقيًّا –سواء كان مكتوبًا أو غير مكتوب- وفقًا للكلام المُلهَم به من الله: «فَاثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِالتَّقليد الَّتِي تَعَلَّمْتُمُوه، سَوَاءٌ كَانَ بِالْكَلاَمِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا»[2] . إنّها هي الكنيسة الأرثوذكسيّة التي خاضت منذ تسعة عشر قرنًا حربًا قاسية ودمويّة ضدّ ضلالات مختلفة، وهرطقات متعدّدة سَعَت أن تُفسِدَ قداستها وتُدَنّسَها. يَعلم أعداء الكنيسة الأرثوذكسية جيّدًا، وبما فيهم البابويّة طبعًا، أنّها حافظت على إيمان آبائها. وبعد أن اقتنعوا أنّهم لا يستطيعون التغلّب على تلك القلعة التي هي الأرثوذكسيّة بهجوم مباشر، بدأ أولئك الأعداء مؤخرًا بمحاولة استخدام وسائل أخرى. بدأوا حربًا جديدة، حرب سلامٍ، حربًا أسوأ من الحروب الصليبيّة. ألا تسمعون صوت الحيّة تَسعى إلى إفساد الفكر الكنسي الأرثوذكسيّ كي تُبعدَنا عن بساطتنا[3] ؟

 

إليكم ما تقوله الحيّة: أيّتها الكنيسة الأرثوذكسيّة! لماذا تتباعدين عنّي؟ لماذا أنتِ خائفة منّي؟ لستُ شرّيرًا، أنا ملاك لطيف يحمل رسالة المحبّة. لن أؤذيكِ، حافظي على عقائدكِ وتقاليدكِ. واتركي هذه الأمور للاهوتيّين... إنّني أدعوكِ إلى مَخْدَعي كي نَتَحاور بمسائل أخرى. هيّا نتّخذ موقفًا مشتركًا ضدّ المجاعة، والفقر، والإلحاد، والشيوعيّة، والحرب. ألا تَهُمُّكِ هذه الأمور؟ ألا يُثير هذا الإقتراح حماسَتَكِ؟ تعالي إذًا، فلنبدأ حوارَنا على مستوى رفيع، مستوى المسكونيّة، مستوى التفاهم المتبادَل. سوف تَرَيْن كم هو جميل أن نجتمع معًا!
 هذه هي يا أحبائي «نظريّة المسكونيّة» الشهيرة التي يتلذّذُ بها قادَتُنا!

نُكرّر: تشكّل الحركة المسكونيّة، التي تَجمع تحت مظلّتها كلّ أنواع الهرطقات، خطرًا على الكنيسة الأرثوذكسيّة. إنّها تَزدَري بأهميّة العقائد التي حُدّدت بوضوح بإلهام عجيب في المجامع المسكونيّة، والتي هي العامود الفقري الذي من دونه يُمسي الجسد مُرتَخيًا في كُتلة عديمة الشكل والإتّزان. إنّها تَستهين بالقوانين المقدّسة، التي يُسمّيها المسكونيّون أسلحة قديمة الطراز قد تآكَلَها الصَّدأ. بعبارة موجزة، يَزدَري المسكونيّون بالكنيسة الأرثوذكسيّة قائلين إنّها أنانيّة، وإنّه لَتجديفٌ أن نَعتبرها الكنيسة الحقيقيّة الوحيدة، التي تملك الحقيقة الأصيلة للإعلان الإلهيّ. وفي هذا السياق، تتلاشى العقيدة والحياة الأخلاقيّة المُرتبِطَتَيْن بشكل لا ينفصل في الكنيسة الأرثوذكسيّة، ولا تترك وراءها سوى نسخة مُخادِعة للمحبّة. إنّ نظرية المسكونيّة، النظرية التي تدعو جميع الناس من مختلف الأديان للعيش معًا بإسم سلامٍ سطحيّ، نظريّة تلقى تأييدًا أيّدت في الأُطُر العلمانيّة والسياسيّة في قَرنِنا، والتي يتمّ تطبيقها في الميدان الروحيّ حيث المساومة مرفوضة، هذه النظريّة ستؤدي في النهاية إلى نزاع واضطراب، ستؤدي حقًّا إلى مصير بابل. 

فإذا تلوّثت الخميرة، تَخسر قدرتَها في تخمير العجين. فالأرثوذكسيّة، الخميرة الأغلى ثمنًا، خميرة الحقّ، قادرة على تخمير الشعب كلّه، لكن فقط إذا بقيت غير ملوّثة بِعَناصِر غريبة، إذا بقيت نقيّة. لهذا السبب فإنّ أتباع هذه النظرية المسكونيّة هم أعداء الأرثوذكسيّة. لهذا السبب نحن لا نتردّد في تسمية هذه الحركة -الحركة المسكونية– هرطقة حديثة، ويجب حماية الكنيسة الأرثوذكسيّة منها.

خِتامًا، وفي هذه الأوقات الحَرِجة حيث تواجه الكنيسة الأرثوذكسيّة خطرًا، ندعو المؤمنين من مَرقَبِنا: «أيّها المؤمنون الأرثوذكس! تذكّروا الكنيسة التي تَرَعرتُم فيها. تذكّروا مَجاري الدماء التي أراقها آباؤنا كي يحفظوا إيماننا نقيًّا، ولم يسمحوا لأي نقطة صغيرة أن تُحذَف أو تُضاف على إيماننا. تذكّروا صَرخة استنفار أبطال ثورة 1821 (ثورة اليونان على الأتراك). هؤلاء الرجال - فليكن ذكرهم مؤبَّدًا - ناضلوا أوّلاً من أجل إيمانهم، ومن ثمّ من أجل وطنهم. هؤلاء الأبطال والشهداء كلّهم، المعروفون وغير المعروفين، يُنادونَنا من قبورهم قائلين: «قِفوا بِحَزمٍ سورًا وحِصنًا للأرثوذكسيّة!».

http://tokandylaki.blogspot.com/2013/08/metropolitan-augoustinos-kantiotes-of.html
    

[1]  رؤيا 12: 1-2

[2]  2 تسالونيكي 2: 15

[3]  أنظر 2 كورنثوس 11: 3 «وَلكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ الْبَسَاطَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ».