حول الأحزان

القديس مكاريوس أوبتينا

تعريب مارك البيطار

 

لا نعرف لماذا يرسل لنا الرب أحزانًا، لكن بالطبع توجد ثلاثة أهداف رئيسية. أحد هذه الأسباب ربما في كثير من الأحيان هو أنه يؤدِّبُنا تأديب الأب. أفترضُ أن هذا التأديب هو إمّا ليُعاقِبَنا على خطايانا السابقة، لأنّه على حد تعبير الرسول القديس: "وَلَكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ ٱلرَّبِّ لِكَيْ لَا نُدَانَ مَعَ ٱلْعَالَمِ" (كورنثوس الأولى 1132). وإما من أجل اختبار إيماننا ورجائنا في الرب؛ وأخيرًا، إما لأنّنا، بدون الأحزان، قد نرتكب خطايا أخرى. علاوةً على ذلك، فإن طريق الأحزان هو السبيل إلى ملكوت السماوات.

حياة الإنسان مليئة بالأحزان، ويجب أن ندخل ملكوت السماوات مُروراً بالعديد من الأحزان. إقرأ تاريخ العصور القديمة وستجد أن الرجال والأبطال العظماء وحُكّام الممالِك وقادة الأمم لم يكونوا غُرَباء عن الأحزان التي حلّت عليهم وفقاً للعناية الإلهية الكلّيّة الحكمة، إمّا بمشيئة الله الصالحة أو بِسَماح منه، وذلك لاختبار إيمانهم، أو لِمُعاقَبَتِهم على الخطايا. حتى إنَّ الإنسان الأول قد شاهد في أبنائه قايين القاتل لأخيه وهابيل إبنه البكر المائت، مما أضاف حزنًا آخر يتعذّر وَصفُه إلى حزنه الأول. سأمرّ مرور الكرام على الأمثلة الأخرى، ولن أذكر إلّا النبي داود الملك التقي، وما حلّ به من أحزان بسبب أبنائه. إقرأ قصّته وتخيّل أنك لستَ أفضل منهم. وبأحكام الله غير المعلومة لنا، فإنك قد تَمُرُّ بهذه التجربة. فإذا تحمَّلتَها بصبر، ذاكراً خطاياك، فسيرسل لك الله تعزيةً.

لا يمكن أن نعيش حياتَنا بأكملها دون تجارب وأحزان، وأن نعيش بدلاً من ذلك بفرح وابتهاج. إعلمْ أن الله يعتني بك عندما يرسل لك الأحزان والأسى، فيريد من خلالهم أن يعلّمَك ويجعلَك حكيماً في الإدراك الروحي. لا يمكن أن نتواضع وأن نبلغ الحكمة الروحيّة بدون الأحزان. وكُن متأكِّدًا تمامًا من أنه لن يُصيبَنا أي حزن بدون سماحٍ من الله، على الرغم من أنه يبدو أن الناس هم السبب – في الحقيقة إنهم أدوات فقط يستخدمُها الله للعمل على خلاصنا.

يقوّي الكتاب المقدس المحارِبين الروحيين بهذه الكلمات: "يا بُنَيّ إن أقبلتَ لخدمة الرب الإله فاثبُتْ على البِرّ والتقوى واعدد نفسك للتجارب، أرشد قلبَك واحتمِلْ، أمِلْ أُذنَك واقبل أقوال العقل ولا تعجل وقت النوائب" (يشوع ابن سيراخ 21-2). علينا أن نمتلك هذا البند الأول، ونحافظ على ذكره وأن نتّبعه. علاوة على ذلك، "مهما نابَك فاقبلْهُ، وكُن صابراً على صُروف اتِّضاعِك" (يشوع ابن سيراخ 24). يجب أن يكون إيماننا راسخًا بالله بأنَّ "شعرة من رؤوسكم لا تَهْلِكُ، أليس عصفوران يُباعان بِفِلْس؟ وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم" (راجع لو 21 :18؛ مت 1029)، فلا يمكن أن يحدث لنا شيء مُحزِن بلا مشيئة الله.

عندما ننظر إلى ربنا يسوع المسيح يُعاني ببراءة ويحتمل التَّهَكُّم والهَجَمات والبِصاق والضَّرْب والإهانة والسخرية والصلب وإكليل الشوك والجُرح في جَنبِه، والمسامير في يديه وقَدَمَيْه الطاهرتَيْن، سنرى أحزانَنا الذاتيّة الناجمة عن الشتائم والاحتقار. بالنهاية: "لأًنَّكُمْ لِهذا دُعيتُمْ. فَإِنَّ المَسيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لِأَجْلِنا، تارِكاً لَنا مِثالاً لِكَيْ تَتَّبِعوا خُطُواتِهِ" (رسالة بطرس الأولى 221)، وإن لم يَكُن بشكل كامل ولكن إلى حد كبير، نجد أنفسَنا نُشارِكُه آلامَه عندما نحتمل بشجاعة وبدون تَذَمُّر الأحزان التي يرسلها إلينا. أنك في مدرسة إلهيّة – هو يعلّمك، ويريد أن يصنع منك شيئًا صالحًا. فلا تقاومْهُ!

 

 المصدر

http://orthochristian.com/122459.html