المحبة بالحق (الجزء السّابع والأخير)

الجزء السّابع والأخير

إعداد قسطنطين زلالاس

 

(ترجمة ماهر سلوم ونديم سلوم)

 

رسالة من المجمع المقدس لجبل آثوس إلى بطريرك القسطنطينيَّة، 8كانون الأول 1993

 

إلى الكُلِّيّ القَداسة، البطريرك المسكونيّ، أبينا ومعلِّمنا، كيريوس كيريوس برثلماوس،

المعلِّم والأب الأقدس،

إنَّ وِحدة الكنائس أو، على وجه التحديد، وحدة غير الأرثوذكس مع كنيستنا الأرثوذكسيَّة الواحدة الجامعة المقدَّسة الرسوليَّة هي أمرٌ نرغب به لكي تتمَّ صلاة الرب "لكي يكونوا واحد" (يوحنا21:17). على أيَّة حال، نحن نفهم هذه الوحدة ونتوَقَّعُها وفقًا للتفسير الأرثوذكسيّ. كما يُذَكِّرنا الأب يوحنا رومانيدس، "هنا يُصلِّي المسيح لكي يُصبح رُسُلُه ورُسُلُهم، في هذه الحياة، واحدًا في رؤية مجده (الذي يملكه بالطبيعة بواسطة الآب) عندما يُصبحون أعضاء في جسده، الكنيسة..."

لهذا السبب، كلَّما زارَنا مسيحيّون غير أرثوذكس، الذين نُقَدِّم لهم المحبة والضيافة في المسيح، ندرك بِألَم أنَّنا بعيدون في الإيمان، وبسبب هذا، لا نستطيع أن نكون في شركة إكليزيولوجيَّة.

يشكِّل الانشقاق، الإنقسام أوَّلاً بين الأرثوذكس وغير الخلقيدونيّين ولاحقًا بين الأرثوذكس والغربيّين، مأساة حقيقية بحيث علينا ألّا نكون صامِتين أو مُرتاحين.

لذلك في هذا السِّياق، فإننا نُقَدِّر الجهود التي بُذِلَت بخوف الله ووفقًا للتقليد الأرثوذكسيّ والتي تَتَطلَّع إلى وحدة لا يمكن أن تحدث من خلال تَهميش أو التقليل من شأن العقائد الأرثوذكسيَّة من أجل غير الأرثوذكس، فهذا لن يكون مَقبولاً من الكنيسة أو مُباركاً من الله، لأنه، وفقًا للقول الآبائي، "ليس الصالحُ صالحاً إن لم يتحقّق بطريقة صالِحة".

على عكس ذلك، سوف تَجلب جهود كهذه إنشقاقات جديدة وإنقسامات جديدة ومآسٍ إلى الجسم الأرثوذكسيّ. عند هذه النقطة، نَوَدُّ أن نقول أنه في مواجهة التغيّرات الكبيرة التي تحدث في الأماكن التي يتواجد فيها الأرثوذكس، وأمام أنواع كثيرة من الظروف غير المستقِرّة على نطاق عالَميّ، كان ينبغي للكنيسة، الواحدة، المُقدَّسة، الجامعة، الرسوليّة، بعبارة أخرى الأرثوذكسيَّة، أن تُعَزِّز تَماسُك الكنائس المحلِّية وتُقَدِّم ذاتها لرعاية أفرادها المًرَوَّعين من أجل استقرارهم الروحيّ، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، كان ينبغي، لها وبإدراكها (كونَها الكنيسة الواحدة المقدَّسة)، أن تُنادي بِقُوَّة الفداء والنعمة التي تحويها وتُظهِرها للإنسانيّة الساقطة.

من هذا القَبيل، وبِقَدَر ما يَسمح لنا مَركزُنا الرهبانيّ، فإننا نُراقب عن كَثَب تَطَوُّرات ما يُسمَّى بالحركات والحوارات المسكونيّة. نُشير أنَّه في بعض الأحيان تكون كلمة الحق قاطعة باستقامة، وأحيانًا أخرى، تُقَدَّم تَسْوِيات وتَنَازلات في ما يتعلَّق بالمسائل الأساسيّة للإيمان.

هكذا، فإن الأعمال والإعلانات التي شارك فيها مُمَثِّلو الكنائس الأرثوذكسيَّة، التي لم يُسمَع بها حتى اليوم والتي تتعارض تمامًا مع إيماننا المقدَّس، قد سَبَّبت لنا أسفًا عميقًا. نذكر أوّلًا حالة غِبطَتِه(بارثينيوس)، بطريرك الإسكندرية، الذي ذكر في مُناسَبَتَيْن على الأقلّ أنَّنا يجب علينا نحن المسيحيّين أن نعترف بمحمَّد كَنَبِيّ. مع ذلك، حتى يومنا هذا، لم يطلب أحدًا منه أن يستقيل، وهذا البطريرك الغافِل المُتَهَوِّر مُستمرّ برئاسة كنيسة الإسكندريّة كما أنَّه ليس هناك أي خطأ في ما يقول.

ثانيًا، نشير إلى حالة بطريركيّة أنطاكية، التي أقْدَمَت من دون أي قرار مَجمعيّ أرثوذكسيّ عام، إلى شركة إكليزيولوجيَّة مع غير الخلقيدونيّين(أصحاب الطبيعة الواحدة). وقد تَمّ ذلك على الرغم من أنَّ مسألة شديدة الخطورة كهذه لم تُحَلّ بعد. هذا التَّصَرُّف الأخير هو غير مقبول من قبل المجامع المسكونيّة التي انعقدت بعد المجمع الثالث، وعلى وَجه الخُصوص، الرابع، مجمع خلقيدونيا، الذي يشكّل في الواقع الأسس الثابتة للأرثوذكسيَّة. للأسف في هذه الحالة أيضا، لم نَرَ احتجاجًا واحدًا من الكنائس الأرثوذكسيَّة.

غير أن أخطر ما في الأمر هو التغيير غير المقبول في موقف الأرثوذكس الذي نشأ عن البيان المشترك في مؤتمر البلمند في حزيران 1993 للّجنة المُختلطة للحوار بين الكاثوليك والأرثوذكس. واعتمدت مواقف مُعادِية للأرثوذكس، واستنادًا لهذا نلفت انتباهَكم يا كُلِّيّ القداسة.

أولاً، يجب أن نعترف بِأننا مُرتاحون للتصريحات التي أدْلَيْتُم بها من وقت لآخر بأن حركة "الأونيا"(Uniate - الإتحادية الكاثوليكية، الروم الكاثوليك على سبيل المثال) هي عَقَبة لا يمكن تَخَطّيها لاستمرار الحوار بين الأرثوذكس والكاثوليك.

لكن الوثيقة المذكورة أعلاه (وثيقة البلمند) تعطي انطباعاً بأنه تمَّ التَّغاضي عن تَصريحاتكم. علاوة على ذلك، لاقَتْ الأونيا الصَّفْح ودُعيَت إلى طاولة الحوار اللاهوتيّ بالرغم من القرار المُعارِض من المؤتمر الأرثوذكسي العام الثالث في رودُس والذي يَفرض: "الإنسحاب الكامل لِوُكَلاء الأونيا وأصحاب الدِّعاية والمُرَوِّجين للفاتيكان من الأراضي الأرثوذكسيَّة؛ إدراج ما يُسَمَّى بكنائس الأونيا وإخضاعها تحت كنيسة روما قبل افتتاح الحوار، لأنَّه لا يُمكِن التَّوافُق بين الأونيا والحوار في الوقت نفسه".

مع ذلك يا كلّي القداسة، الفضيحة الكبرى هي المواقف الإكليزيولوجيّة في هذه الوثيقة. سَنُشير هنا فقط إلى الإنحرافات الأساسيَّة.

نقرأ في الفقرة 10: "الكنيسة الكاثوليكيّة... (والتي قامت بعمل تَبشيريّ ضِدّ الأرثوذكس) قدَّمت نفسها أنَّها الوحيدة التي أوكِلَ إليها الخلاص. كردَّة فِعل، قَبِلَت الكنيسة الأرثوذكسيّة الرؤية ذاتها أي أن خلاص "الإخوة المُنفَصِلين” يحصل فقط فيها. لقد حَصل أيضاً أنه تَمّ تَعْمِيد بعض المسيحيّين ثانية والتَّغاضي عن حرية الأشخاص الدينيّة وأفعال إيمانهم. كانت تلك الفترة مُتَماشية مع وجهة النَّظَر هذه."

كأرثوذكس، لا يُمكننا أن نقبل بِوُجهة النظر هذه. لم تَكُن رَدَّة فعل ضدَّ الأونيا أنَّ كنيستنا الأرثوذكسيَّة المقدَّسة بدأت تؤمن بأنها تمتلك الخلاص حَصْرًا، ولكنها تؤمن بهذا قبل وجود الأونيا، منذ زمن الإنشقاق، الذي حدث لأسباب عقائديَّة. لم تنتظر الكنيسة الأرثوذكسيَّة مجيء الأونيا لِتُدرك أنها هي الإستمرار الأصيل لكنيسة المسيح الواحدة، المقدَّسة، الجامعة، الرسوليّة، لأنها كانت دائمًا تملك هذا الوعي الذّاتيّ، تماماً كما كان لديها الوعي بأن البابويّة هي هرطقة. سبب عدم استخدام الكنيسة الأرثوذكسيّة لِمُصطَلَح هرطقة كثيرًا هو لأنّه، وفقًا للقديس مرقس الأفَسُسيّ، "اللاتين ليسوا فقط مُنشَقّين ولكن أيضًا هراطقة. مع ذلك بَقِيَت الكنيسة صامتة تجاه هذا الأمر لأن أعدادهم كبيرة وهم أكثر قُوَّة مِنَّا... ولا نريد أن نُزايِد بالإنتصار على اللاتين كهراطقة ولكن من أجل قُبول عودتهم ولِتَشجيع الأُخُوَّة."

ولكن عندما أُطلِقَت الأونيا وعملاء روما عَلَيْنا في الشَّرق بُغْيَة تَبشير الأرثوذكسيُّين المُعَذَّبين بِطُرُق غير قانونيّة، كما يفعلون حتى اليوم، أُجبِرَت الأرثوذكسيَّة على إعلان الحقيقة، وليس لِأغراض تَبشيريَّة ولكن من أجل حماية الرَّعِيّة والمؤمنين.

يصف القديس فوتيوس مِرارًا وتَكرارًا الFilioque(إضافة عبارة “والإبن” إلى قانون الإيمان في انبثاق الروح القدس)كهرطقة، والمؤمنون بها كهراطقة.

يقول القديس غريغوريوس بالاماس عن بَرلعام الغربيّ، أنَّه عندما أتى إلى الأرثوذكسيَّة، "لم يقبل الماء المُقدَّس من كنيستنا... لِمَحوعُيُوبِه من الغرب." بالتأكيد، اعتبره القديس غريغوريوس هرطوقيًا وبحاجة للنّعمة المُطَهِّرة كي يَنتميَ للكنيسة الأرثوذكسيَّة.

إنَّ العبارة الواردة في الفقرة 10 تُكَدِّس المسؤولية ظُلْمًا على الكنيسة الأرثوذكسيَّة من أجل التَّقليل من مَسؤولِيّات البابويّين. متى داس الأرثوذكس على حرية الكاثوليك وأتباع الأونيا الدينيّة عبر تَعْميدهم عَكس رَغبتهم؟ وإذا كان هناك بعض الإستثناءات فإنَّ الأرثوذكس الذين وقَّعوا على وثيقة البلمند نَسِيوا أنَّ الذين أُعيدَ تَعْميدهم ضِدَّ رَغبتهم هم المُنحَدِرون من الأرثوذكس الذين أُجْبِروا أن يُصبِحوا من الأونيا، كما حصل في بولندا وأوكرانيا ومولدافيا. (أنظر الفقرة 11).

نقرأ في الفقرة 13: "ذلك أنَّه منذ المؤتمرات الأرثوذكسيَّة العامّة والمجمع الفاتيكاني تمَّ من جانب الأرثوذكس كما من جانب الكاثوليك اكتشاف وإبراز الكنيسة كَشَرِكةِ ممَّا غيَّر جَذرِيًّا وجهات النظر والموقف. فَمِن كِلا الجانِبين تمَّ الإعتراف بأنَّ ما سَلَّمه المسيح لِكنيسته: المُجاهَرة بالإيمان الرسوليّ، الإشتراك بالأسرار نفسها ولا سِيَّما بالكهنوت الواحد الذي يحتفل بذبيحة المسيح الواحِدة والخِلافة الرسوليَّة لدى الأساقفة، لا يمكن أن يُعتَبَر مُلكًاحَصْرِيّاً لإحدى الكنيستَيْن. وفي هذا الإطار من البَديهيّ أنَّه يجب الإمتناع عن أيّة إعادة تعميد.”

الإكتشاف الجديد للكاثوليك أن الكنيسة هي شركة له بالطَّبع بعض الأهمِّيَّة لهم، هم الذين لا يَملكون وسيلة خُروج من مسألة الإستبداد الإكليزيولوجيّ ولهذا كان عليهم تغيير نِظامهم الفِكريّ عن الكنيسة والإعتراف بِطابِعها الجَماعيّ. هكذا، يضعون مقابل التَّطرُّف الإستبدادي تطرُّف أسلوب الزَّمالة ويتّخذونه فقط على الصَّعيد المركزيّ للإنسان. ولكن الكنيسة الأرثوذكسيَّة  كانت تدرك دائمًا أنَّها ليست شركة بسيطة بل "شركة تَألُّه" كما يقول القديس غريغوريوس بالاماس في عظته عن انبثاق الروح القدس. أكثر من هذا، إنَّ شركة التألُّه ليست فقط غير معروفة بل أيضًا غير مقبولة في اللاهوت الكاثوليكيّ، الذي يرفض عقيدة القِوى غير المخلوقة في الله التي تُكَوِّن وتُشَكِّل هذه الشركة.

على ضوء هذه الحقائق، نُؤَكِّد بِحُزنٍ عميق أنَّ هذه الفقرة (13) تجعل من الكنيسة الأرثوذكسيَّة مُساوِية للكنيسة الكاثوليكيّة المُستمرّة في الهرطقة.

الإختلافات اللاهوتيَّة الخطيرة، مثل عبارة "والإبن” وأوّليَّة وعِصمة البابا والنِّعمة المخلوقة... تُلاقي العَفو هنا تحصل وِحدة مُزَيَّفة من دون إتفاق على العقيدة.

هكذا تُؤَكَّد الافتراضات أنَّ الوِحدة المَرغوبة من الفاتيكان، والتي قال عنها القديس مرقس الأفسسي: "هذه الرغبة يَتمّ التلاعب بها عن جهل" (أي الأرثوذكس، الذين يعيشون اليوم أيضًا في ظِلّ ظروف إثنيَّة وسياسيّة مُعادِية وَهُم أسرى أديان هذه الدول)، تُدْفَع لكي تَتمّ من دون اتفاق على الإختلافات العقائديّة، من خلال الإعتراف المُتبادَل بالأسرار والخِلافة الرسوليّة لكل كنيسة، والمناولة المُشتَرَكة المحدودة في البداية وعلى نطاق أوْسَع لاحقًا. بعد هذا، يُمْكِن مناقشة الإختلافات العقائديّة باعتبارها آراء لاهوتيّة.

بِمُجَرَّد أن تتمَّ الوحدة، ما النفع من مُناقشة الإختلافات اللاهوتيّة؟ تعرف روما أنَّ الأرثوذكس لن يقبلوا أبدًا تعاليمها الغريبة. لقد أثبتت التجربة ذلك في محاولات مختلفة للوحدة إلى يومنا هذا. لذلك، وعلى الرغم من الإختلافات، فإن روما تقوم بِصِياغة وحدة وتَأْمَل، من وجهة نظر إنسانَويّة(كما كانت دائمًا وجهة نَظَرِها)، أنها، كَوْنَها الأكثر قُوّة، سوف تَسْتَولي على الأضعَف أي الأرثوذكسيَّة في الوقت المناسب. تَوَقَّع الأب يوحنا رومانيدس هذا في مَقالتِه"حركة الأونيا والمسكونيَّة الرّائجة" في The Orthodox Witness، شباط 1966.

هل عبارة "والإبن"، وأوّليَّة وعِصمة البابا، والمَطْهَر، والحَبَل بلا دنس والنِّعمة المخلوقة تشكِّل إعترافًا رَسوليًّا؟ بالرغم من كل هذا، هل من الممكن لنا، كأرثوذكس، الإعتراف بِرَسوليَّة وعقيدة الكاثوليك؟

هل هذه الإنحرافات اللاهوتيّة الخطيرة لِروما تُعتَبَر هرطقات أم لا؟

إذا كانت هكذا، كما وُصِفَت من قِبَل المجامع الأرثوذكسيَّة والآباء، ألا تؤدِّي إلى بُطْلان الأسرار والتَّسلسل الرسوليّ لِغَير الأرثوذكس؟

هل من الممكن أن يوجد ملء النعمة حيث لا يوجد ملء الحقيقة؟

هل من الممكن تمييز بين مسيح الحقيقة ومسيح الأسرار والتسلسل الرسولي؟

قُدِّم التسلسل الرسولي أوّلاً من قِبَل الكنيسة كحقيقة تاريخيّة للحِفاظ المُستمِرّ على حقيقتها. ولكن عندما تكون الحقيقة نفسُها مُشَوَّهة، ماذا يبقى من معنى لتسلسل رسوليّ شَكْليّ كهذا؟ ألم يكن في كثير من الأحيان للأساقفة الهراطقة هذا النوع من التسلسل الظاهريّ؟ كيف من الممكن أيضًا لهم أن يُعتَبَروا حامِلين للنعمة؟

وكيف يُمكِن لِكنيستين أن تُعتَبرا" كنائس شقيقة" لا بسبب سُلالَتِهم المشترَكة قبل الإنشقاق ولكن بسبب الإيمان المُشتَرَك والنعمة المُقَدِّسة والكهنوت على الرغم من الإختلافات في العقائد؟

أي أرثوذكسي يمكن أن يقبل الرجل المَعصوم كَخَليفة حقيقيّة للرُّسل، الذي يملك أوّليَّة السلطة ليحكم الكنيسة كلَّها ويكون في الوقت ذاته القائد الدينيّ والمَدَنيّ لدولة الفاتيكان؟

ألَيْسَت هذه خيانة للإيمان الرسوليّ والتقليد؟

هل يُدرِك المُوَقِّعون على هذه الوثيقة أنَّ العديد من الكاثوليك مُنزَعِجون وهم تحت قَدَم البابا (ونِظامه السكولاستيكيّ والإكليزيولوجيّ المُرتَكِز على الإنسان) ويرغبون بالمجيء إلى الأرثوذكسيَّة؟

كيف يمكن لهؤلاء الناس المُعَذَّبين روحيًّا ويرغبون بالمعموديّة المقدَّسة ألّا يحصلوا عليها في الأرثوذكسيَّة لانَّه من المفترض أن تكون النعمة نفسها هنا وهناك؟ هل يجب علينا، عند هذه النقطة، إحترام حُرِّيتَهم الدينيّة، كما طَلَبت وثيقة البلمند في حالة أخرى، ومَنْحَهُم المعموديّة الأرثوذكسيَّة؟ أي جواب سَنُقَدِّم للرب إذا مَنَعْنا مِلء النعمة عنهم، بعد سنوات من عَذابِهم وبَحْثِهم الشخصيّ، ويرغبون بالمعموديّة من كنيسَتِنا الواحدة المقدَّسة الجامعة الرسوليَّة؟

يقتبس المقطع 14 من الوثيقة كلاماً للبابا يوحنا بولس الثاني، "إنَّ الجهد المسكونيّ لكنيسَتَيْ الشرق والغرب الشقيقتَيْن المؤسَّس على الحوار والمحبة يَبغي البحث عن شركة كاملة وكُلِّيَّة لن يكون امتصاصًا أو ذَوَبانًا بل لقاءً في الحقيقة والمحبة".

ولكن كيف يمكن أن تحصل وحدة في الحقيقة عندما يتمّ تَفادي العقائد وأن تُوصَف الكنيستَيْن بالشقيقتَيْن بالرغم من الإختلافات؟

لا تتجزَّء حقيقة الكنيسة لأنها المسيح نفسه. لكن عندما يكون هناك إختلافات في العقائد لا يمكن أن يكون هناك وحدة في المسيح.

ما نعرفه من تاريخ الكنيسة هو أن الكنائس تُدْعى شقيقة عندما تمتلك الإيمان نفسه. لم تُسَمِّ أبدًا الكنيسة الأرثوذكسيَّة الكنائس غير الأرثوذكسيَّة بالشقيقة، بِغَضّ النظر عن مَدى بُعْدِهم واختلافهم عن الأرثوذكسية.

نطرح على أنفسنا سؤالاً أساسيًّا: هل أثَّر التوفيق الدينيّ والتَّبسيط العقائديّ – مُشْتَقّات العَلْمَنَة والإنسانويّة- ربما على المُوَقِّعين الأرثوذكس لهذه الوثيقة؟

من الواضح أنَّ الوثيقة تتضمَّن، ربما للمرة الأولى من الجانب الأرثوذكسي، الموقف القائل أنَّ الكنيستَيْن، الأرثوذكسيَّة والكاثوليكيّة، تُشَكِّلان معًا الكنيسة الواحدة المقدسة أو أنهما تَعبيرَيْن قانونيَّين لها.

للأسف هذه المَرّة الأولى التي يقبل فيها الأرثوذكس بشكل رَسميّ شكلاً كهذا من أشكال نَظَرِيّة الأغصان[1].

إسمحوا لنا أن نُعْرِب عن أَسَفِنا العميق على هذا بِقَدَر ما تأتي هذه النظريّة كَتَناقض فاقِع مع التقليد والوُجْدان الأرثوذكسيَّيْن حتى الآن.

نمتلك العديد من الشَّهادات لِلوُجدان الأرثوذكسيّ بأنَّ كنيستَنا تُشَكِّل وَحدها الكنيسة الواحدة المقدَّسة وقد تمّ الإعتراف بِسُلْطَتِها من كافّة الأرثوذكس في العالم، وهي:

كُلُّها أعلنت أنَّ كنيستنا الأرثوذكسيَّة المقدَّسة هي الكنيسة الواحدة المقدَّسة.

لخَّصَ مجمع القسطنطينيَّة (1895) كل المجامع السابقة: "الأرثوذكسيَّة، أي الكنيسة الشَّرقيّة، تتباهى بِحَقٍّ في المسيح أنَّها كنيسة المجامع المسكونيّة السَّبعة والقُرون التِّسعة الأولى من المسيحيّة وبالتالي هي كنيسة المسيح الواحِدة المقدَّسة الجامعة الرسوليّة، ’عمود الحق وقاعِدتَه’. والكنيسة الكاثوليكيَّة الحاليَّة هي كنيسة إبتداع وتَزْوير لتعاليم آباء الكنيسة وتشويه الكتاب المقدس ومُقَرَّرات المجامع المُقدَّسة. لقد أُدينَت لِسَبب وَجيه وعادل وسَتُدان طالما لا تزال مُستمِرّة في الضلال. يقول القديس غريغوريوس النزينزي: ‘حربٌ جديرة بالثَّناء هي أفضل من سلام مُنفصِل عن الله’."

أعلن مُمَثِّلو الكنائس الأرثوذكسيَّة الأمور ذاتها في مؤتمرات مجلس الكنائس العالميّ. من بينهم نَجِد لاهوتيّين أرثوذكسيّين مُمَيَّزين أمثال الأب جورج فلورفسكي الذي أعلن في مؤتمر لوند (Lund) سنة 1952:

"جِئنا إلى هنا لا لِكَي نَحكُم على الكنائس الأخرى ولكن لِمُساعَدتِهم على رؤية الحقيقة، لِتَنْوير ذِهْنِهم بطريقة أخَوِيّة، إبلاغهم بِتعاليم الكنيسة الواحدة المقدَّسة الجامعة الرسوليّة، وهي الكنيسة الرّومِيّة الأرثوذكسيَّة التي لم تتغيَّر منذ الحَقَبة الرسوليّة".

وفي إيفانستون (Evanston) سنة 1954: "في الخِتام، نحن مُضْطَرّون للإعلان عن إقتِناعِنا العَميق أنَّ الكنيسة الأرثوذكسيّة المقدَّسة وَحْدَها حافظت على الإيمان المُسَلَّم مَرّة للقِدّيسين بِكُلِّ كَمالِها وطَهارتِها. وهذا ليس بسبب أي جَدارة بَشَرِيّة ولكن لأنَّ الله سُرَّ أن يَحفظ كَنْزَهُ في آنية خَزَفِيّة..."

وفي نيودلهي (New Delhi) سنة 1961: "لقد انكَسَرَت الوحدة ومن الضَّروريّ أن نَكْتَسِبها من جديد. الكنيسة الأرثوذكسيَّة ليست طائفة، ليست واحِدة من الكثيرين أو واحِدة من الكَثيرين. بالنِّسبة للأرثوذكس، الكنيسة الأرثوذكسيَّة هي الكنيسة. تملك الكنيسة الأرثوذكسيَّة الإدراك والوَعي أنَّ بُنْيَتَها الداخِليّة وتَعاليمها تتوافق مع الكِرازة الرسوليّة والتقليد القديم، الكنيسة غير المُنْقَسِمة. تُحافِظ الكنيسة الأرثوذكسيَّة على التسلسل الكهنوتيّ الأسراريّ المُتَواصِل وغير المُنْقَطِع، للحياة الأسراريّة والإيمان. بالنِّسبة للأرثوذكس، التسلسل الرسولي للرّتبة الأسقفيّة والكهنوت الأسراريّ هو عُنصر جوهريّ، ولهذا السبب، هو عامِل أساسيّ في وجود الكنيسة أجمع. بالتوافق مع قَناعَتِها الداخليّة والإدراك لِظُروفِها، تحتَلّ الكنيسة الأرثوذكسيَّة مَوقِعًا مُمَيّزًا وإستثنائيًّا في القديم، الكنيسة غير المنقسمة، حيث تَتَجَذَّر منها الطوائف المسيحيّة الحالِيّة بطريقة مُخْتَزَلة ومُنْفَصِلة."

يمكننا أيضًا أن نَعرض هنا شهادات اللاهوتيّين الأرثوذكس الأكثر تَمَيُّزًا والمعروفين عالَمِيًّا. سوف نقتصر على شخصٍ واحدٍ، الأب ديمتري ستانيلوي، لاهوتيّ مُتَميِّز ليس فقط بسبب حكمته لكن بسبب فِكره الأرثوذكسيّ الواسع ووُجهة نظره المسكونيّة.

في عِدَّة أماكن من كِتابه الجَدير بالملاحظة، "نحو أرثوذكسيَّة مسكونيّة"، يُشير إلى مَواضيع مرتبطة بالبَيان المُشْتَرَك (المُناقَش هنا) ويعطي الشهادة الأرثوذكسيَّة. بالتالي، ومن خلاله، يظهر الإختلاف بين المواقف المُتَّخَذة في الوثيقة والإيمان الأرثوذكسيّ:

"من دون وحدة في الإيمان والشركة الواحدة في جسد ودم الكلمة المُتَجَسِّد، هكذا كنيسة لا يمكن أن تَتواجَد، ولا يمكن لكنيسة أن تَتواجد بمعنى الكلمة."

"إذا دخل شخص ما في الشركة الكامِلة للإيمان مع أعضاء الكنيسة الأرثوذكسيَّة وأراد أن يصبح عضوًا فيها، يُفْهَم مبدأ التدبير (Economia) بأنه يُعطي شَرعِيّة لِسِرٍّ أُجريَ سابِقًا خارج الكنيسة."

"في الرؤية الكاثوليكيّة، ليست الكنيسة بُنية روحيّة يرأسها المسيح بل مُنَظَّمة قانونيّة، حتى في أفضل الحالات، هي تعيش لا في الإلهيّات لكن في مستوى للنعمة المخلوقة يفوق الطبيعة."

"في الحفاظ على هذه الوحدة، تلعب وحدة الإيمان دَوْرًا لا غِنى عنه لأنها تربط الأعضاء مع المسيح ومع بعضهم البعض."

"هؤلاء الذين يعترفون لا بمسيح كامِل وتام لكن فقط بأجزاء منه لا يمكنهم تحقيق شركة كاملة مع الكنيسة أو مع بعضهم البعض."

"كيف يمكن للكاثوليك أن يتَّحِدوا مع الأرثوذكس في إفخارستيا مُشْتَرَكة عندما يؤمنون أنَّ الوحدة مُسْتَمدّة من البابا أكثر من الإفخارستيا المقدَّسة؟ هل يمكن للمحبة النّابِعة من المسيح في الإفخارستيا المقدَّسة من أجل العالم أن تَنبع من البابا؟"

"هناك اعتراف مُتَزايِد بأنَّ الأرثوذكسيَّة، كَجَسَد المسيح الكامِل، تَتَّخِذ إجراءات مَلْموسة لإستقطاب الأجزاء التي كانت مُنْفَصِلة عنها."

من البديهي أنَّه لا يمكن وجود جَسَدَيْن كامِلَيْن للمسيح.

يا كلّي القداسة، يجب على المرء أن يتساءل لماذا يسعى الأرثوذكس إلى تَقديم هذه التّنازُلات بينما الكاثوليك مُتَمَسِّكون بِمَركزيّة البابا الإكليزيولوجيّة، بل يُعَزِّزونها.

في الواقع، إنَّ المجمع الفاتيكاني الثاني (1963) لم يَتَناسَ التَّقليل من أوّليّة وعصمة البابا فحسب، بل عَظَّمهُما. وفقًا للبروفيسور الراحل يوحنا كارميريس: "بالرغم من أنَّ المجمع الفاتيكاني الثاني غطَّى على الإدِّعاءات اللاتينيّة المعروفة بشأن الحُكم البابويّ المَلَكيّ المُطلق مع مجمع الأساقفة، إلّا أن هذه الإدعاءات لم تَتَضاءل فحسب؛ على العكس، فقد عَزَّزَها هذا المجمع. لم يتردّد البابا الحاليّ(يوحنا الثالث والعشرون آنذاك) من التَّرويج لها أكثر من السابق، حتى في الأوقات غير المناسِبة.”

وفي المنشور البابويّ، "إلى أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة" (28أيار 1992)، يعترف أن روما فقط هي الكنيسة "الجامعة" وأنَّ البابا وحده هو الأسقف "الجامِع". تؤلِّف كنيسة روما مع أسقُفِها "جوهر" كل الكنائس الأخرى. علاوة على ذلك، تُشَكِّل ببساطة كل كنيسة مَحَلِّيَّة مع أسقُفِها تَعبيراً عن "الحضور" و"السلطة" المباشَرة لأسقف روما وكنيسته، الذي يُحَدِّد من داخل كل كنيسة محلّية هويّتها الإكليزيولوجيّة."

وفقًا لهذا المرسوم البابويّ، بما أنَّ الكنائس الأرثوذكسيَّة ترفض الخضوع للبابا، فهي لا تحمل على الإطلاق صِفَة الكنيسة وتُعتَبر ببساطة "كنائس جُزئيّة" (Verdienen der titel teilkirchen).

عُبِّر عن هذه الإكليزيولوجيَّة يالذات في الدليل المسكونيّ(دليل لِتَطبيق المبادئ وجَدْوَل أعمال فيما يَختَصّ بالمسكونيّة) للكنيسة الكاثوليكيّة، قَدَّمَهُ الكاردينال كاسيدي إلى إجتماع أساقفة الكاثوليك مع غير الكاثوليك وبحضور الأرثوذكس (10-15أيار1993، قبل شهر واحد من لقاء البلمند).

يُشدِّد الدليل المسكونيّ أنَّ الكاثوليك "يُحافظون على القناعة الثابتة أنَّ كنيسة المسيح الثابتة مستمرَّة في الكنيسة الكاثوليكيّة التي يَحكُمها خليفة بطرس والأساقفة الذين في شركة معه،"بقدر ما أن "أسقف روما، خليفة بطرس، يرأس مجمع الأساقفة."

في المنشور ذاته، قِيلَ العديد من الأمور الحَسَنة الرنَّانة عن الحاجة إلى تطوير الحوار المسكونيّ والتنشئة المسكونيّة، من الواضح لِتَعْكير المياه وجَذْب الأرثوذكس السّاذِجين بهذا التأثير، وهو الطريقة الفَعّالة التي ابتكَرَها الفاتيكان للوحدة، أي الخضوع لروما.

وفقًا للدليل المسكوني، الطريقة هي التالية: "إنَّ المعايير التي تمَّ إنشاؤها للتعاون المسكوني، من جهة، هي إعتراف مُتَبادَل للمعموديّة ووضع الرموز المشتَرَكة للإيمان في الحياة الليتورجيّة العَمَليَّة؛ ومن ناحية أخرى، هي تَعاوُن في التنشئة المسكونيّة والصلاة المُشتَرَكة والتعاوُن الرعائيّ لكي نستطيع الإنتقال من الصراع إلى التعايُش ومن التعايُش إلى التعاوُن ومن التعاون إلى المُشارَكة ومن المشارَكة إلى الشركة."

مع ذلك، يتعامل الأرثوذكس إيجابيّاً مع وثائق كهذه مليئة بالنفاق.

نؤكِّد بِحُزنٍ أنَّ الوثيقة المشتركة تستند إلى المنطق الكاثوليكي أعلاه. مع ذلك، بسبب هذه التطَوُّرات الأخيرة في ظِلّ شروط هكذه، نسأل أنفسنا أنه يمكن الآن للقائلين أنَّ الحوارات المختلفة تضرُّ بالأرثوذكسيَّة أن يكون لهم تبرير وحُجّة لإدعائهم.

أيها الأب والمعلِّم الكليّ القداسة، نقول بكلمات بشريّة، أن الكاثوليك نَجَحوا، بهذا الإعلان المشترك، بالنَّيل من بعض الأرثوذكسيَّين إعترافاً بأنَّهم (أي الكاثوليك) الإستمرار الشَّرعيّ للكنيسة الواحدة المقدَّسة التي تمتلك ملء الحقيقة ونعمة الكهنوت والأسرار والتسلسل الرسولي.

لكن هذا النجاح يُضِرَّهم لأنَّه يُزيل منهم إمكانيّة الإعتراف والتوبة من مَرَضِهم الإكليزيولوجيّ والعقائديّ الخطير. لهذا السبب، التنازُلات من قبل الأرثوذكس ليست أعمال صالحة. ليست لصالح الكاثوليك أو الأرثوذكس. قَفَزوا من "رجاء الإنجيل" (كولوسي1: 23) الذي في المسيح، الإله-الإنسان الوحيد، إلى البابا، الإنسان الإله ومَعبود الإنسانويّة الغربيّة.

من أجل مصلحة الكاثوليك والعالم أجمع، الذين أمَلُهُم الوحيد هو الأرثوذكسيَّة النقيّة، نحن مُلْزَمون ألّا نَقبَل الوحدة ولا وَصْف الكنيسة الكاثوليكية بـ"كنيسة شقيقة"، ولا البابا كأسقف شَرعيّ على روما، ولا امتلاك "كنيسة"روما لتسلسل رسولي وكهنوتي وأسراري قانوني من دون تَخَلِّيهم(للبابويّين) بشكل صريح عن عبارة "والإبن"، أوّليَّة وعصمة البابا، النعمة المخلوقة وبَقِيَّة هرطقاتهم. لن ننظر أبدًا إليها كأنَّها إختلافات غير مُهِمَّة أو مُجَرَّد آراء لاهوتيّة بل كإختلافات تُهين الصِّفة البشريّة – الإلهيّة للكنيسة وتُدخِل تجديفات فيها.

القرارات التالية من المجمع الفاتيكاني الثاني هي نموذجيّة:

"فالحَبْر الروماني، بِوَصْفِه خليفة بطرس هو المبدأ والأساس الدائم والمنظور لوحدة الأساقفة ولوحدة جمهور المؤمنين."

"هذا الرِّضى، رِضى الإرادة والعقل الديني بنوعٍ خاصٍ لتعليم الحَبْر الروماني الأصيل وإن لم يتكلّمبصورة رَسمِيّة(ex cathedra)."

"وينعم الحَبْر الروماني، رأس حَلَقة الأساقفة بهذه العِصمة بِحُكمِ وظيفته، عندما يُعلن، بتحديدٍ مُطْلَقٍ، التعليم المتعلِّق بالإيمان والأخلاق، بِصِفَتِه أعلى راعٍ ومعلِّمٍ لِكُل المؤمنين والذي يُثَبِّت إخوته بالإيمان (لو32:23) لهذا يُقال بِحَقّ أن التَّحديدات التي يُعلِنُها هي غير قابِلة للتعديل بِحَدِّ ذاتها وليسَ إستناداً لإجماع الكنيسة، ذلك أنها أُعلِنَتْ بِعَونٍ من الروح القدس... وبالتالي هي ليست بحاجةٍ إلى مُوافقة الآخرين ولا تَقبَل أي إستئناف إلى أي حُكمٍ آخر. فالحَبْر الروماني لا يُصدِر حُكماً بِصِفَته شَخصاً فرداً، ولكنّه يَعرض تعليم الإيمان الكاثوليكي ويُدافع عنه لأنه، بالنسبة إلى الكنيسة الجامعة، المعلِّم الأعلى، مَن فيه تستقرُّ وبنوعٍ فَريد، موهبة عِصمة الكنيسة بالذات."

"فَلِلحَبْر الروماني على الكنيسة، بِقُوّة مهمّتِه كَنائب للمسيح وراعٍ للكنيسة جَمْعاء، سلطان كامل، ومُطلَق وشامل، يستطيع أن يُمارِسه دوماً كما يشاء. وما من مجمعٍ مسكونيٍّ يمكن أن يَحصل ما لم يُثَبِّته أو أقَلَّه ما لم يُقِرُّه خليفة بطرس. وللحبر الروماني الإمتياز بأن يدعو المجامع ويرأسها ويُثَبِّتها."

هل كل هذه التعاليم، يا كلي القداسة، لا تَقَع على آذان الأرثوذكس كَتَجْديف على الروح القدس وعلى البَاني الإلهيّ للكنيسة، يسوع المسيح، رأس الكنيسة الوحيد الأبديّ والمَعصوم الذي منه وحده تنبع وحدة الكنيسة؟ ألا تتناقض هذه التعاليم كُلّيًّا مع مَركزيّة الإنجيل والإله-الإنسان المرتكِزة على الإكليزيولوجيّة الأرثوذكسيَّة الموحى بها من الروح القدس؟ ألا تُخضِع الإله-الإنسان للإنسان؟

كيف يمكننا أن نُقَدِّم مثل هذه التنازلات أو التعايش مع هذه الروح دون أن نفقد إيماننا وخلاصنا؟

بإلتزامنا وأمانتِنا لكل ما استلمناه من الآباء القديسين، لن نقبل أبدًا بـ"كنيسة روما" الحاليّة كمشارِكة معنا لكنيسة المسيح الواحدة المقدَّسة الجامعة الرسوليّة.

نرى بالضرورة أنَّه من بين الإختلافات اللاهوتيّة التمييز بين الجوهر والقِوى في الله، وتَجدُر الإشارة إلى القوى الإلهية غير المخلوقة لأنَّه لو كانت النعمة مخلوقة، كما يدَّعي الكاثوليك، يبطل خلاص وتألُّه الإنسان، وتتوقَّف الكنيسة عن كَوْنِها شركة تألُّه وتَتَحوَّل إلى مُنَظَّمة قانونيّة.

تألَّمنا بعمقٍ في روحنا بسبب كل ما سَبَق، إلتجأنا إليكم يا أبانا الروحيّ. وباحترام عَميق، نَدعوكم ونُناشدكم، بَصَفَتِكُم الرعائيّة المُتَفهِّمة والحسّاسة، أن تأخذوا هذه المسألة الخطيرة بِعَين الإعتبار وألّا تَقبَلوا بوثيقة البلمند، وأن تأخذوا بشكل عام كل عَمَل ممكن لتفادي العواقب غير المرغوب فيها التي سوف تَتَرتَّب على الوحدة المجمعيّة الأرثوذكسيَّة في حال اعتمدَتْها بعض الكنائس.

علاوة على ذلك، نطلب صلواتكم المقدَّسة والمُستَجابة من الله حتى يمكننا نحن أيضًا نُسّاك ورهبان الجبل المقدس، في هذا الزمن من التشويش الروحيّ والمُساوَمة والعَلْمَنة والتقليل من أهمِّية عقيدتِنا، أن نبقى أُمَناء حتى الموت لِما تسلَّمناه من آبائنا القديسين أنّه"صورة التعليم" (رو6: 17)، مهما كلَّفنا الأمر.

باحترامٍ عميق، نُقَبِّل يَدَك اليُمنى المقدَّسة.

توقيع: كل مُمَثِّلي ورؤساء الأديار العشرين المقدَّسة لجبل آثوس المقدَّس.

ملاحظة: أُرسلت هذه الرسالة أيضًا إلى جميع الكنائس المشارِكة والمَعنِيّة مباشرةً بالحوار اللاهوتيّ، وأيضًا إلى الكنائس الباقية لإبقائهم على اطّلاع.

 

http://saintnicodemos.org/articles/loveintruth.php

 

[1]    نظرية الأغصان هو اعتقاد، خارج الأرثوذكسية، أن جماعات مسيحيّة ليست في شركة في ما بينها، يمكن أن تكون أغصان أو تشعّبات من الكنيسة الواحدة. تمّ مؤخّراً التعبير عن هذا الإعتقاد بنظرية "الرئتين" بواسطة كتّاب كاثوليك، او أنه يوجد ثلاث أغصان رئيسية بحسب كتّاب أنكليكان. وفي بعض الأحيان، يطلق كتّاب آخرون تسمية الكنيسة غير المنظورة على "الشجرة" الكاملة. ترفض الكنيسة الأرثوذكسية هذه النظرية. لا تملك كل جماعة تسمّي نفسها "مسيحية" كمال الإيمان. القول أن "الجميع هم نفس الشيء، هناك مسيح واحد، وهناك عدّة طرق للتعبير عن إيماننا به" هو جهل واضح لتاريخ المسيحية، خاصةً المجامع المسكونية.