المحبة بالحق (الجزء الرابع)

الجزء الرابع

 

إعداد قسطنطين زلالاس
(ترجمة ماهر سلوم ونديم سلوم)

 

القوانين المقدّسة عن المسكونية

لا تستخدم القوانين الكنسيّة الديبلوماسيّة، لذلك يهوى المسيحيّون المتَعَصرِنون[1] الإزدراء بها في أيّامنا هذه.

 

الآباء والحق: أقوال متفرِّقة لآباء قدّيسين ولاهوتيّين عن المسكونية والتعاطي مع الهرطقة

 

(القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم)

 

 

 

إنّ الروح القدس، المُعَزّي، الحاضر في الكنيسة دائمًا يتكلّم من خلال الذهبيّ الفمّ في كنيستنا. يُسَلِّط الأب القدّيس الضوء على العديد من المسيحيّين الذي لا يفهمون معنى "الإدانة”. كثيرًا ما يسألون "أوَلَيْس إظهار الأخطاء في اعتقادات مسيحيّ آخر أو كاهن أو مطران أو غير أرثوذكسيّ، هو إدانة؟" يوصي القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ بوضوح أن نهرب ولا نتعاطى مع أي شخص يمكن أن يؤَثِّر علينا روحيًّا. لقد وضع المسيح الراعي الصالح أساقفة وكهنة وشمامسة ولاهوتيّين لحماية أتباعه الذين اشتراهم بدمه. للأسف هناك عدد ليس بقليل من هؤلاء الحماة قد تحوّلوا إلى ذئاب بثياب حملان. يُشَجِّعون أفرادًا من رعيّتهم على فتح أبواب حظيرة الخراف للذين في الخارج كي يدخلوا مُعتَبِرين أن لا ضرر في ذلك. غالبًا ما نسمع بخدم صلوات مختلطة الأديان، خدم صلوات مسكونيّة، صلوات مختلطة الطوائف. كلّ هذه سوف تجلب لهؤلاء الرعاة غضب الله الذي يُحَذِّرنا من خلال سفر حزقيال 6:33-9. هذا الإستنكار سوف ينطبق على الذين بيننا مَمّن لا يقومون بأي جهد لِتَنبيه إخوتنا المخدوعين، تاركين إيّاهم يعتقدون أن بإمكانهم أن يَخْلُصوا بِغَضّ النظر عن إيمانهم. يتكلّم الروح القدس بالنبي قائلاً: “فَإِنْ رَأَى ٱلرَّقِيبُ ٱلسَّيْفَ مُقْبِلًا وَلَمْ يَنْفُخْ فِي ٱلْبُوقِ وَلَمْ يَتَحَذَّرِ ٱلشَّعْبُ، فَجَاءَ ٱلسَّيْفُ وَأَخَذَ نَفْسًا مِنْهُمْ، فَهُوَ قَدْ أُخِذَ بِذَنْبِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِ ٱلرَّقِيبِ أَطْلُبُهُ. «وَأَنْتَ يَا ٱبْنَ آدَمَ، فَقَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ، فَتَسْمَعُ ٱلْكَلَامَ مِنْ فَمِي، وَتُحَذِّرُهُمْ مِنْ قِبَلِي. إِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: يَا شِرِّيرُ مَوْتًا تَمُوتُ. فَإِنْ لَمْ تَتَكَلَّمْ لِتُحَذِّرَ ٱلشِّرِّيرَ مِنْ طَرِيقِهِ، فَذَلِكَ ٱلشِّرِّيرُ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. وَإِنْ حَذَّرْتَ ٱلشِّرِّيرَ مِنْ طَرِيقِهِ لِيَرْجعَ عَنْهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ طَرِيقِهِ، فَهُوَ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ خَلَّصْتَ نَفْسَكَ!”

 

نَتَوَسَّل لإخوتنا وأخواتنا في المسيح أن يفهموا أن التأله (theosis) لا يمكن أن يحصل في غياب الإيمان الحقيقيّ. القَداسة واجب، ويمكن أن تتحقّق فقط في الكنيسة الأرثوذكسيّة، الإستمرار الأصيل للكنيسة التي أسّسها المسيح ورسله. لأجل ذلك، بِوَفائنا لروح الرسل والآباء، نحن لَسْنا نُدين غير الأرثوذكس، نحن نُحَذِّرهم ونُناديهم، هذا هو النهج الصحيح والتعبير عن المحبّة الحقيقية. ليس إدانة أن نُبْرِز ونُعارض جميع التعاليم غير الأرثوذكسيّة بروح المحبّة في سبيل الحق، لأنّ جميع التعاليم الخاطئة هي بذور شياطين تستطيع أن تحوّل المؤمنين إلى "زؤان” (متّى 25:13). الإدانة بحسب القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ هو إظهار الضّعفات الشخصية، الخطايا، الخُصوصِيّات وشوائب قريبنا على غرار الفرّيسي والعشّار من أجل أن نرفع أنفسنا.

 

غير أن "الإدانة" بالمفهوم الرسوليّ هي شيء آخر (المحبّة بالحق).

 

“وَأَمَّا ٱلْأَقْوَالُ ٱلْبَاطِلَةُ ٱلدَّنِسَةُ فَٱجْتَنِبْهَا، لِأَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَكْثَرِ فُجُورٍ، وَكَلِمَتُهُمْ تَرْعَى كَآكِلَةٍ (هذا جزء من الجواب على سبب ازدهار وانتشار البدع الهرطوقية أسرع من الحقيقة). ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَفِيلِيتُسُ، ٱللَّذَانِ زَاغَا عَنِ ٱلْحَقِّ، قَائِلَيْنِ: «إِنَّ ٱلْقِيَامَةَ قَدْ صَارَتْ» فَيَقْلِبَانِ إِيمَانَ قَوْمٍ” (2 تيم 16:2-18)

 

“أَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا أَنَّ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ فِي أَسِيَّا ٱرْتَدُّوا عَنِّي، ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ.” (2 تيم 1:1-15)

 

“إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ، وَلَا يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلصَّحِيحَةَ، وَٱلتَّعْلِيمَ ٱلَّذِي هُوَ حَسَبَ ٱلتَّقْوَى، فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لَا يَفْهَمُ شَيْئًا” (1 تيم 3:6-4)

 

لِيَكُن هذا تحذيرًا للإخوة والأخَوات الأرثوذكس المَهووسين بنهج الخمسينيّين الوَهميّ الذي يتلاعب بالمشاعر. لقد انتشرت تعاليمهم كالغنغرينا وأَضَرَّت بالعديد من رجال الدين والعلمانيّين الأرثوذكس على حد سواء. إنّ اللغة واللهجة الغريبة التي يتكلّمون بها هي علامة فارقة عند ظُهورهم منذ بِضع عشرات السنين. لقد تعلّموا هذه "الألسنة الغريبة” من الشياطين (1 تيموثاوس 1:4) ولا يوجد أي شيء مشترك بينها وبين ما تكلّم به الرسل بالروح القدس. قال القدّيس غريغوريوس بالاماس قبل حوالي 500 سنة من ظهور أتباع النهج الخمسيني: “لأجل ذلك، المتكلّمون بألسنة غريبة بقوة الشياطين هم خارج أنفسهم، لا يفهمون أي شيء مِمّا يقولون” (جيرونتيكون الجبل المقدس، الجزء 11).

 

إنّ حقيقة وواقع الأمور هو بالضبط ما يتحدّث عنه القديس غريغوريوس بالاماس، أن هذه الألسنة هي إيحاء من الشياطين في محاولتهم التجديف على الله. إنّ الشياطين ترتعد من فكرة التجديف على الله مباشرة فيقومون بذلك بواسطة من خلال أتباع النهج الكاريزماتيكيّ. يظن هؤلاء البؤساء أنّهم ’ممتلئون من الروح’ لكنهم في الواقع يُتَمْتِمون كافّة كلمات التجديف ضد خالِقهم. ما يَزيد الطين بلّة هو أنّ الشيطان قد نشر بِمَكْرِه الإشاعة بينهم أنّه من السالم التكلّم بالألسنة لأن "الشيطان لا يفهم الألسنة”. الحقيقة بحسب القديس غريغوريوس بالاماس أنّ الشياطين لا تفهم الألسنة فحسب، بل هي من اخترعتها! إن ثقبًا صغيرًا بحجم شعرة في جدارٍ عالٍ ليس أمراً مُقْلِقاً عند مُتَفَرِّج عاديّ لكنّه، مَبْعَث خوف عظيم وإنذار للمهندسين الذين يَعْلَمون أن شِقّاً كهذا سوف يَكْبُر ويُسَبِّب الدمار للجدار وما حوله. يعمل الشيطان بالطريقة ذاتها بإدخاله شقوقًا بسيطة في سفينة الخلاص أي الكنيسة.

 

http://saintnicodemos.org/articles/loveintruth.php

 

[1]     العَصْرَنة (modernism) هي الإدّعاء ان القوانين الكنسيّة المُقَدَّسة مع تعاليم الآباء القديسين باتت قديمة وأنه بفضل التقدُّم العلميّ والثقافيّ في عَصْرِنا هذا بِتْنا نملك معرفة أكثر وأفضل من الآباء القديسين. بذلك يعتقد المُتَعَصْرِنون ويعلّمون أن التقدّم ذاته أي المُراجعة والتغيير من القديم إلى الجديد والعصري (modern) يجب ان يحصل في المسيحية. العَصْرَنة هي هرطقة بحسب هذا التعريف. (المُعَرِّب)