ما هو النوس وكيف يُميَّز عن النفس؟

الأب جون وايتفورد

ترجمة نديم سلوم

سؤال: ما الذي نقصده بـ"النوس"، وكيف يُميَّز عن النفس، وهل الأرثوذكس فقط هم من يتكلَّمون عن "النوس"؟

هذا سؤالٌ صعب لأنَّه بالواقع كلمة نوس (المترجمة إلى اللغة العربية "الذهن") استُعملت بمعاني مختلفة في أوقات مختلفة. أفضل بحث صادفته فيما يختص هذا الموضوع قد وجدته في كتاب الميتروبوليت يروثاوس فلاخوس "الطب النفسي الأرثوذكسي" علم الآباء" (قد يظن المرء بسبب العنوان أنَّ الكتاب يتكلم عن علم النفس، ولكنه يتكلَّم عن شفاء النفس، هذا ما معناه حرفيًا "العلاج النفسي"). يمكن أن نجد ملخَّصًا صغيرًا لهذا السؤال في كتاب "اللاهوت الآبائي" للأب يوحنا رومانيدس: "ما هو نوس الإنسان؟" يقول الأب يوحنا رومانيدس:

"الإهتمام الأول للكنيسة الأرثوذكسية هو شفاء نوس الإنسان. لطالما اعتبرت الكنيسة النفس كجزء من الكائن البشري الذي يحتاج للشفاء لأنها رأت أنَّه ومنذ أيام التقليد العبري، من المسيح نفسه، ومن الرسل أنَّه هناك قسم يعمل في القلب المادي دعاه الآباء بالنوس. بكلام آخر، أخذ الآباء المصطلح التقليدي لكلمة نوس، الذي يعني الذهن كما يعني الإدراك أيضًا، وأعطوه معنىً آخر. استعملوا النوس ليشيروا إلى القوة الذهنيَّة التي تعمل في قلب كل إنسان صحِّي روحيًّا. لا نعرف متى جرى هذا التغيير في المعنى، لأننا نعرف أنَّ بعض الآباء استخدموا كلمة نوس ليشيروا إلى الإدراك كما إلى القوة الذهنيَّة التي تنزل وتعمل ضمن نطاق القلب.

إذًا، من خلال هذه المقاربة، الحركة الذهنيَّة هي حركة ضرورية للنفس. تعمل في العقل كما يفعل الإدراك؛ وفي الوقت ذاته تعمل في القلب كما يفعل النوس. بكلام آخر، العضو ذاته، النوس، يصلِّي من دون توقف ويفكر في الوقت ذاته، على سبيل المثال بالمسائل الحسابيَّة، أو أي شيء آخر في العقل.

يجب أن نشير إلى أنَّ هناك اختلاف إصطلاحي بين بولس الرسول والآباء. ما دعاه بولس الرسول النوس هو نفسه ما دعاه الآباء بالإدراك. عندما كتب بولس الرسول "سأصلي بالروح" (1كور 14: 15)، عنى به ما قصده الآباء عندما قالوا، "سأصلي بالنوس". وعندما كتب "سأصلي بالنوس" عنى به "سأصلي بالذهن". عندما استعمل الآباء كلمة نوس، استعمل بولس الرسول كلمة "روح". عندما قال "سأصلِّي بالنوس، سأصلِّي بالروح" أو "سأرتل بالنوس، سأرتل بالروح" وعندما قال "روح الله يشهد لأرواحنا" (رو8: 16)، استعمل كلمة "روح" ليقصد بها ما عناه الآباء بالنوس. وبكلمة "نوس"، يقصد بها الإدراك.

بعض النقاط التي يشير إليها الميتروبوليت يروثاوس في هذا الموضوع:

·       عدَّة آباء استعملوا كلمتين "روح" و"نوس" بطريقة متبادلة.

·       يقول القديس يوحنا الدمشقي أنَّ النوس هو أنقى جزء في النفس.

·       استعمل القديس غريغوريوس بالاماس كلمة "نوس" بمعنين: الروح بكاملها وكقوة الروح.

·       في الكتاب المقدس وعند عدَّة آباء هناك تحديد للنوس بالقلب، واستُعمل المصطلحان بطريقة متبادلة.

·       استعمل آباء آخرون مصطلح "نوس" للدلالة على "التركيز" كعكس الإدراك. فمثلاً، عندما نصلِّي، قد نكون نقرأ الصلوات بذهننا ولكن تركيزنا مشتت. لهذا عندما يبلغ المرء الصلاة القلبية، تركيزنا (النوس) يرجع إلى القلب، ونصلِّي بحق.

يتكلم البروتستانت المعاصرون عن "النوس" فقط بالعودة حرفيًا إلى الكتاب المقدس، من دون أي يصرفوا وقتًا طويلاً (أو حتَّى نهائيًا) في محاولة فهم ما قاله الآباء في شرحهم لهذه المقاطع. بتأثير من البراغماتيَّة الأمريكية (الميل إلى التحليل العملي والواقعيَّة في شرح المصطلحات وتحليلها)، يميلون إلى صرف الوقت في التركيز على الفروقات البسيطة للذهن والقلب ونفس الإنسان واستخدامها القليل للحد الأدنى من الأسئلة عن كيفية خلاص الإنسان، وكيف يجب أن نعيش حياتنا، التي يميلون إلى رؤيتها بعبارات أكثر بساطة، ويبحثون عن إيجابات أبسط.

إذا كنتَ من الإسكيمو، كنت ستتكلم عن أشكال متنوعة من المياه المتجمِّدة مع اختلافاتها الدقيقة التي سيكون من الصعب تمييزها من قبل رجال القبائل الذين يعيشون قرب خط الإستواء، لأن هؤلاء الناس لا يعرفون الماء المتجمِّد والبَرَد والثلج... فبالنسبة لهم كل هذه هي نفسها. بينما بالنسبة لك، الثلج والجليد والبَرَد وكل الإختلافات الدقيقة التي يصادفها المرء التي هي حقيقة سائدة لن تكون أبدًا بعيدة عن أفكارك. أمضى قديسو الكنيسة حياتهم في الجهاد الروحي، وبالتالي يتكلمون عن جوانب النفس بطرق بارعة، ويقارنون هؤلاء الذين يفكرون أنَّ يتلو الصلاة ويطلبون يسوع في قلوبهم، أنَّكم ستخلصون، وإن حاولتم لن تخسروا خلاصكم.

المرجع:

http://orthochristian.com/79038.html