كلمة "أناثيما" ومعناها

القدّيس يوحنّا مكسيموفيتش

ترجمة بورفيريا هيكل

تتألف الكلمة اليونانية "أناثيما" من كلمتين: "أنا" وهي أداة  تدلّ على حركة الصعود، و"ثيما" التي تعني جزءاً منفصلاً عن شيءٍ ما. في المصطلحات العسكرية، كانت كلمة "ثيما" تعني فصيلة في الجيش؛ أما في الحكومة المدنية، فكانت "ثيما" تعني مقاطعة. حاليًا، تُستعمل كلمة "موضوع" (theme)، المنشقّة من "ثيما" للدلالة على موضوعٍ محدد لعملٍ مكتوب وفكري.

تعني كلمة "أناثيما" حرفياً فصل شيء. وفي العهد القديم، كانت هذه العبارة تُستخدم بالمعنيين السلبي والإيجابي، إمّا لفصل أحدٍ ارتكب إثماً، أو لفرز أحدٍ وتكريسه للرب.

في العهد الجديد، وتحديدًا في رسالة القدّيس بولس، استُخدمت الكلمة مرة واحدة تزامناً مع "ماراناثا"، التي تعني المجيء الثاني للرب. ويعني مزج هاتين الكلمتين الفصل إلى حين مجيء الرب، بمعنى آخر، تسليم الذات له. "إِن كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! مَارَانْ أَثَا". (1 كور 16: 22)

استخدم الرسول بولس "أناثيما" في موضعٍ آخر من دون إضافة "ماراناثا" (غلاطية 1: 8- 9). وقد استُخدمت كلمة "أناثيما" هنا ضدّ تشويه إنجيل المسيح كما بشّر به الرسول ، بصرف النظر عمّن يرتكب هذا التشويه، أكان الرسول نفسه أم ملاك من السماوات. ومن هذه العبارة نفسها يُفهم أيضاً: "فليحكم الله وحده"، لأنّ من سواه يدين الملائكة؟"

ويقول القدّيس يوحنّا اللاهوتيّ في رؤيا 22: 3، إنّه لن يكون ثمّة أي "أناثيما" في أورشليم الجديدة. يمكن فهم هذا بطريقتين بحسب معنيي كلمة "أناثيما": الأول أنّه لن يكون ثمة أي إقصاء قبل دينونة الربّ، لأنّ هذه الدينونة قد تمّت مسبقاً؛ والثاني أنّه لن يكون ثمّة أي تكريس خاص للربّ لأنّ كلّ الأشياء ستكون أشياءً مقدّسة للربّ، تماماً كما يضيء نور الربّ للجميع (رؤيا 21: 23).

في أعمال المجامع والمسار الإضافي لكنيسة العهد الجديد، كنيسة المسيح، تعني كلمة "أناثيما" الإنفصال التام عن الكنيسة. "الكنيسة الجامعة الرسوليّة تفصل"، "ليكن هذا الإنسان مفروزًا"، "ليكن هذا الشيء مفصولًا"، هذه العبارات كلّها تعني الفرز الكامل خارج الكنيسة. في حين أنّه في حالات "الانقطاع عن الشركة الكنسيّة" و"حالات العقوبة الكنسيّة" أو القوانين الروحيّة الأخرى التي تُفرض على شخصٍ ما، يبقى الشخص فرداً من الكنيسة، على الرغم من أنّ مشاركته في حياتها الممتلئة نعمة باتت محدودة. فالذين يُلقون في الأناثيما، يبتعدون بالكامل عنها حتّى يتوبون. وعندما يدركون أنّ الكنيسة غير قادرة على فعل أيّ شيء من أجل خلاصهم، في ظلّ عنادهم وقساوة قلوبهم، ترفعهم الكنيسة الأرضيّة إلى دينونة الربّ.

إنّ تلك الدينونة رحومة تجاه الخطأة التائبين، لكنّها مخيفة لأعداء الرب المتعنّتين. "حقاً ما أرهب الوقوع في يدي الله الحي" (عب10: 13) ... "لأنّ إلهنا نارٌ آكلة" (12: 29). ليست الأناثيما الدينونة الأخيرة، فالتوبة ممكنة حتّى الموت.

إنّ الأناثيما مخيفة، لا لأنّ الكنيسة تتمنّى الشّرّ لأحدٍ، ولا لأنّ الرّب يشاء إدانة البشر. إنّ الرّب والكنيسة يريدان خلاص الجميع، لكنّ الوقوف في حضرة الرّب لمخيفٌ في حالة الشرّ المتصلّب: فما من شيءٍ يُخفى عنه.

من كتاب الحياة الأرثوذكسيّة  للقدّيس إفكنديوس اللورنسيّ:

«... أو ربّما قطع الشركة الكنسيّة لشخصٍ يبشّر بإنجيلٍ آخرٍ غير الانجيل المبشّر به وُجد لتلك الأيام وليس للوقت الحاضر. ثمّ أيضاً عظة "أسلكوا بالروح ولا تهتموا لشهوة الجسد" وُجدت لتلك الأيام وليس لأيّامنا الحاضرة. لكن إن كان من باب الإلحاد والخبث الاعتقاد بهذا، يتبع ذلك ضرورة أن يطبّق الجميع مهما كان عمرهم الوصايا وأن تكون التحذيرات التي تمنع الانحراف عن الإيمان مطبّقة أيضاً من الجميع. إنّ تبشير المسيحيّين أجمع بأيّ عقيدة غير تلك التي تعلّموها، هو أمرٌ لم يكن يوماً مشروعاً، ليس مشروعاً، ولن يكون أبداً مشروعاً. وقطع كلّ من يبشرون بشيءٍ غير ما تلقّوه عن الشركة الكنسيّة لطالما كان واجباً، وهو دائماً واجبٌ، وسيكون دوماً واجباً».