ضريبة النفوس، في المحطّات الجمركيّة

المطران ايروثيوس فلاخوس ميتروبوليت نافباكتوس

ترجمة ماهر سلوم

...فيما يتعلّق بالموضوع المذكور آنفاً (الموت)، يوجدُ تعليمٌ في الكتاب المقدّس وعند الآباء القديسين عن ضريبة النفوس. سوف نستعرض هذا الموضوع بشكلٍ مُفَصّل إذ هو متداخلٌ في سِرّ الموت الرهيب. نجد هذا الموضوع في كامل التقليد الكتابي-الآبائي وهو يوازي حقيقةً يتوجّب علينا أخذها بعين الإعتبار كي نكون جاهزين لساعة الموت المَخوفة. إن التالي قد كُتِبَ ليس من أجل إثارة القلق بل من أجل الحثّ على التوبة التي تُنتج الفرح. إن مَن يملك موهبة الروح القدس ومَن اتّحد بالمسيح يتفادى وجود وتأثير الشياطين الجمركيّة.

بحسب تعليم آباء الكنيسة، عند انفصال النفس عن الجسد، وحين تتهيّأ للخروج، فهي تدرك وجود الشياطين المعروفين بشياطين الجمارك، وينتابُها خوف بسبب اضطرارها أن تجتاز الجمارك.

يتوجّب علينا القول بدايةً أن شياطين الجمارك لا تملك أي سلطان على الصدّيقين الذين اتحدوا بالمسيح. إن الصدّيقين لا يمرّون في "المحطّات الجمركيّة" فحسب، بل لن ينتابَهم أي خوفٍ من ذلك. سوف نفهم هذا الحديث بشكلٍ أفضل عندما نقارن تعليم الآباء. إن توصيف مرور النفس بين الشياطين بالجمارك مأخوذٌ من العَشّارين في ذلك الزمان. يُمكن لنا أن نستعرض هذا الموضوع باختصار لنفهم لماذا يصف الآباء القديسون مرور النفس بين الشياطين بالجمارك.

في ذلك الزمن، كان يُطلَق إسم جامع الضريبة على أولئك الذين يدفعون ثمن الضرائب العامة من الولاية ومن ثم يجمعونها من الشعب (48). هناك فئتان من جامعي الضرائب. تتشكّل الفئة الأولى من الذين يُسَمَّون "العَشّارين" (حواجز الأموال) أو "جامعي العُشور"، الذين كانوا أغنى طبقة في المجتمع وأكثرَهُم سُلطةً. والفئة الثانية تتشكّل من "جُباة الضرائب". كان "العَشّارون" الجُباة العُموميّين الذين دفعوا ثمن الضريبة للولاية، بينما كان جُباة الضرائب خُدّاماً يتعاطون راتباً، فهم يجمعون الضرائب من الشعب ويعطونها للعَشّارين.

اشتهر جُباة الضرائب بظلمهم لجمعهم مبالغ باهظة أكثر مما كانوا يتقاضون من رؤسائهم. لأجل ذلك كانوا سَيِّئي السُّمعة في تلك الأزمنة. يقول أفلاطون أن جباة الضرائب ظالمون ليس فقط عندما يجمعون الأموال من الواردات المنظورة، "بل أيضاً حين يُفتّشون ما هو مخفيّ فهم يتحرّشون بممتلكات الناس وحمولتهم". لذلك أجاب ثيوكريتوس حين سُئل ما هي أشرس الوحوش: "في الجبال هناك الدبب والأسود، وفي المدن هناك جباة الضرائب والمُتَزلّفون".

يجتهد جباة الضرائب في جمع أعظم ما استطاعوا من الأموال -خُصوصاً أنهم لا يسمحون لبعض الناس أن يتهرّبوا من تسديد الضرائب الظالمة والباهظة- ويبتكرون وسائل عِدّة: يُقيمون الحواجز على طرقات ضَيِّقة كي يُمسكوا بالمارّين في سبيلهم ويفرضوا عليهم أن يدفعوا ما يَدينون به. لقد كانت هذه التصرّفات مُشينة ومُزعجة للناس في ذلك الوقت.

إن الآباء القديسين يستخدمون هذه الصورة المُشينة بالذات كي يفهم الناس سر الموت الرهيب بالإضافة إلى الأمور الرهيبة التي تحصل للنفس حين تتحضّر للخروج، خاصّةً حين تنفصل من الجسد. يعبّر القدّيس مكاريوس المصري عن ذلك قائلاً: "مثل جباة الضرائب الذين يقطعون الطرق الضيّقة ويقبضون على المارّين والمُرهَقين، كذلك الشياطين تترقّب خِلسةً لتختطف النفوس. وحين تُمضي النفس خارج الجسد، لا يُسمَح لها بارتقاء السماء لتلتقي بسيّدها إن لم تكن طاهرة بشكلٍ كامل. بل تودي شياطين الهواء بها نحو الأسفل" (49).

إنّ صورة جباة الضرائب تنطبق بالتأكيد على واقعيّة ذلك الوقت. إلّا أن التعليم القائل أن الشياطين تحاول القبض على نفس الإنسان عند خروجها واردٌ في عدّة نصوصٍ كتابيّة وآبائيّة في الكنيسة. لقد سبق ورأينا كيف أن الملائكة تستلم نفوس الأبرار والصِدّيقين أمّا نفوس الخطأة وغير التائبين فتستلمها الشياطين. إنّ الشياطين، بمَكرِهِا تجاه البشر، تريد السيطرة على الجميع، وفرض سلطتها عليهم إلى الأبد. لكن لا سلطة لها على الأبرار.

يفسّر الآباء القديسون الآية التالية بأنّها تتعلّق بالشياطين الجمركيّة، هي قول المسيح قُبَيل آلامه: "لِأَنَّ رَئِيسَ هَذَا ٱلْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ" (يوحنا 30:14). إنّ رئيس هذا العالم هو الشيطان. يُدعى رئيس هذا العالم ليس لأنّه حقّاً الرئيس والسلطة الأعلى في العالم، بل لأنّه يسيطر على عالم الأشرار والخطأة. يُعلن المسيح هنا أن لا سلطة للشيطان عليه. إنّه يشير بالتأكيد إلى الشيطان والموت.

يقول القديس بولس الرسول مُشيراً إلى المائتين روحيّاً والفاقدين نعمة الله: "وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِٱلذُّنُوبِ وَٱلْخَطَايَا، ٱلَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلًا حَسَبَ دَهْرِ هَذَا ٱلْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ ٱلْهَوَاءِ، ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ ٱلْآنَ فِي أَبْنَاءِ ٱلْمَعْصِيَةِ" (أفسس 1:2-2). إن هذا المقطع يُظهر أن البشر يموتون بسبب الخطايا وأعمال الشيطان.

كما أنّ الشيطان يمتاز أنّه سلطان الهواء لأنّه يسكن الجو ويشنّ الهجمات العقليّة على البشر باستمرار. هذه هي الصورة بالضبط التي يستخدمها الآباء القدّيسون في تعليمهم أنّ النفس تواجه سلطان الهواء حين تخرج من الجسد منطلقة في الهواء نحو السماء. هذا المقطع الإنجيلي يذكر أيضاً أن هذا السلطان يعمل الآن أيضاً في أبناء المعصية.

هناك مقاطع عديدة في العهد القديم يستخدمها الآباء للإشارة إلى ما يُسَمّى بَدَل الجمارك التي تدفعه النفس. أذكر هنا مقطعين. يَرِد المقطع الأوّل في مزمورٍ لداود يُكَلّم فيه النبي الله قائلاً: "يَارَبُّ إِلَهِي، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. خَلِّصْنِي مِنْ كُلِّ ٱلَّذِينَ يَطْرُدُونَنِي وَنَجِّنِي، لِئَلَّا يَفْتَرِسَ كَأَسَدٍ نَفْسِي هَاشِمًا إِيَّاهَا وَلَا مُنْقِذَ” (مزمور 1:7-3). ويَرِد المقطع الثاني في كتاب إرميا النبي حيث يقول: "فكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي، فَمَلِلْتُ مِنَ ٱلْإِمْسَاكِ وَلَمْ أَسْتَطِعْ. لِأَنِّي سَمِعْتُ مَذَمَّةً مِنْ كَثِيرِينَ. خَوْفٌ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ" (إرميا9:20 -10).

الآن بعد ذكرنا المقاطع الأساسيّة التي فسّرها الآباء القدّيسون، سوف نُبرز تعليمهم عن "ضريبة" النفوس. يتوجّب علينا القول إنّنا سوف نقوم بمقارنة تعليمهم عن الضريبة ونتكلّم من ثمّ عن التفسير الأسراري لتلك الحالة. كما سنرى في ما يلي، أنّ الخوف لا يسيطر على نفوس الصِّدّيقين لأنّها تملك نعمة الله فلا سلطة للشياطين عليها. غير أنّ نفوس غير التائبين هي في شِدّة بسبب تأثير الشياطين وفعل الأهواء. يجب ألّا ننسى هذه النقطة إذ إن جهلها يؤدي إلى فهمٍ خاطئٍ لحالة النفس بعد الموت. يتوجّب على القارئ أن يكون حذراً  خاصةً عند دراسة التعليم الآبائي.

عند تفسيره ما يرد في كتاب المزامير: "خَلِّصْنِي مِنْ كُلِّ ٱلَّذِينَ يَطْرُدُونَنِي وَنَجِّنِي، لِئَلَّا يَفْتَرِسَ كَأَسَدٍ نَفْسِي" (مزمور 2:7-3)، يقول القديس باسيليوس أن الباسلين الذين جاهدوا في حياتهم ضدّ العدوّ غير المنظور، سوف "يتفحّصُهم سلطان هذا العالم" عند نهاية حياتهم كي يسجُنَهُم في حال وُجِدَت فيهم آثار وعلامات الخطيئة. لكن إذا ما وُجِدوا بلا دنسٍ ولا عيبٍ، سوف "يمنحهم المسيح الراحة بما أنّهم أحرار ومُحَصّنون". لذلك فالرازحُ تحت سلطان الموت والذي يعلم أنّ "المُخلّص واحدٌ والفادي واحدٌ" يصرخ نحو المسيح المخلّص: "خلّصني من مرحلة الفحص تلك كيلا يُمزّق نفسي مثل الأسد". وبما أنّ المسيح البريء من الخطأ قد قال "لِأَنَّ رَئِيسَ هَذَا ٱلْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ"، فيُمكن للإنسان القول إنّ رئيس هذا العالم يأتي "ويجد فيّ بعض الآثام" (50).

إنّ ساعة الموت رهيبةٌ لأنّ الإنسان يتذكّر خطاياه ويرى أيضاً أموراً مخيفة. يشهد القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ أنّ كثيرين يتذكّرون رؤاهم المخيفة والتي لا يقدرون صَدَّها حين رقادهم. إنّها مرهوبة لدرجة أّن "فراش الراقد بذاته يهتزّ بقوّةٍ فيما هو يُحدّق بخوفٍ بالحاضرين".

هذا يعني أنّ جسده يهتزّ من جراء الخوف في نفسه ويقوم بحركاتٍ مضطربة. يضيف القديس يوحنّا الذهبيّ الفم أنّنا نحن الأحياء نخاف من رؤية الناس الأشرار، فكيف لا يكون خوفنا أعظم حين انفصال نفسنا عن جسدنا ورؤيتنا "قوّات كالحة وملائكة تهدّدنا". إنّ النفس المنطلقة من الجسد تنتحب باطلاً من دون جدوى (51).

يتكلّم القديس سمعان اللاهوتي الجديد عن هذا الأمر مشدّداً أن مَن يملك النور الإلهي ينتصر على الشياطين التي تقترب منه، إذ إنّ الشياطين تحترق بالنور الإلهي. هذه هي الحال الآن عند الإنسان الحاضر في رؤيا الله والمُتّشح بالنور الإلهي. وسوف تتجلّى هذه الحال في نفس الإنسان حين تنفصل عن جسده. يقول القديس سمعان إن المسيحيّ لا ينتفع بأي شيء في جهاده الروحي إن لم تُسحَق الشياطين بالنور الإلهي. هذا يعني أن جوهر وغاية الحياة الروحية هو الإتحاد بالنور الإلهي. يقول القديس سمعان:

"إذا ما أتى أمير الظلام ولم يرَ مجدك مُحيطاً بي ولم يهلك بكُلّيته مع ظلامه بالنور غير المُدرَك، وإن لم تهرع قوّات العدوّ معه حين ترى علامة الختم عند اجتيازي خارج هذه الحياة، فإنّي أتجاسر واثقاً بنعمتك وأسجد نحوك سائلاً ماذا يُجديني ما أقوم به الآن؟" (52).

إنّ الشياطين التي تريد الإستيلاء على نفسٍ حتى عند اللحظات الأخيرة توازي حكّام التتر بحسب القدّيس ذياذوخوس فوتيكي، أي بمعنى آخر حكّام الجحيم. الإنسان الذي يحبّ الله لن يخاف، لأن المحبة تطرد الخوف، وسوف يبتعد بسهولة عن "حكّام التتر". نفس الإنسان التي تتهلّل بمحبة الله "ترتفع مع ملائكة السلام فوق جميع قوّات الظلام" في ساعة الموت (53).

بالتالي، لا يكتفي الآباء القديسون فقط بالتركيز على وجود الشياطين وغضبها الثائر على البشر، بل يشدّدون أيضاً على السبيل الذي من خلاله نتمكّن من تفادي أخطارهم. من خلال الإعتراف بكامل الخطايا، ينجو الإنسان من الجُبن والخوف ويمتلئ من محبة المسيح ويتحرّر من شرور الشياطين، وهكذا لا يملك الشيطان أي سلطةٍ عليه.

يدعو الأنبا إشعياء الشياطين التي تتوجّه إلى النفس الخارجة من الجسد "حكّام الظلام" و"حكّام الشر". يعلّم أن الملائكة تواكب نفس الإنسان حين تنطلق من الجسد. لكن قوّات الظلام تأتي أيضاً لملاقاتها والسيطرة عليها. لا تحارب الملائكةُ الشياطينِ في تلك اللحظة بل تحيط الإنسان بالأعمال الصالحة التي قام بها في حياته. إن تغلّب الإنسان على الشياطين من خلال الأعمال الصالحة التي قام بها في حياته، "فالملائكة سوف تفرح معه عندما تراه مُحَرّراً من قوى الظلام". لذلك يَحُثّنا الأنبا إشعياء أن نحبّ السلام، وأن تكون لدينا المحبّة تجاه الناس، وأن نملك فكر المسيح وبِرَّه، وأن نتجاهل احتياجاتنا العالميّة ومجدها، إلخ… (54).

إنّ أقوال آباء البريّة تحتوي على تعليم ثيوفيلوس رئيس الأساقفة عن هذا الموضوع. يقول إنّه عند خروج النفس تُعقَد محكمة ما بين الملائكة والشياطين. تُظهِر الشياطين "جميع الخطايا المُرتَكَبة إمّا عن معرفة أو عن جهل منذ ولادة الإنسان حتى تلك اللحظة"، ويُوَجّهون الإتهامات ضِدَّه. بالطريقة ذاتها، تُبرِز الملائكة الأعمال الصالحة التي قام بها الإنسان. حينها يصير خوف عظيم على النفس من جراء هذه المحاكمة. إن فازت الشياطين فسوف تسمع هذه الأقوال: “استلموا هذه النفس الرديئة كيلا ترى مجد الله". لكن إن انتصرت النفس وتحرّرت، فسوف تُخزى الشياطين وسوف تستلم الملائكة النفس وتقودها “إلى ذلك المجد والفرح الذي لا يُنطَق به” (55).

نجد هذه التعاليم في العديد من النصوص الآبائية. يُصلّي القديس هزيخيوس الكاهن كي يجد حاكم الظلام، حين يأتي، سقطاتنا قليلة وضئيلة (56). يُعَلّم أن النفس، حين تحوي المسيح، "فسوف يُنجِدها بسرعة" (57).

ويقول القديس ثيوغنُسطوس أن النفس البارّة تصعد نحو السماء بسلام "لتلتقي الملاك اللامع والمُبهِج الذي ينحدر لملاقاتها وترتفع معه في الهواء من دون إعاقة ومن دون أي أذى تُسَبِّبه الأرواح الشرّيرة" (58).

إنّ هذه التعاليم ليست ناجمة عن تخيّلات الآباء القديسين بل عن خبراتهم المنيرة. في بعض الأوقات تُعلَن هذه الأمور لهم بواسطة رجال قديسين آخرين وفي الأوقات الأخرى يختبرون شخصيّاً هذه الأمور الرهيبة، مُستَنيرين بالله.

لقد توصّل القديس أنطونيوس الكبير أن يرى هذه الأشياء المرهوبة بنفسه. حصل في حالة انخطاف في قلّايته ورأى نفسه خارج جسده ماشياً في الهواء تُرشده الملائكة جليّاً. منعتهم بعض الشياطين الخبيثة والرهيبة من الصعود إلى السماء مُتَعَلِّلة بعدّة أعمال قام بها القديس. عندها حاربت الملائكة التي تُرشد القديس أنطونيوس تلك الشياطين الرهيبة قائلة أن الله قد غفر للقديس جميع هذه الأعمال منذ ولادته وعليهم أن يتّهموه فقط بما قام به منذ أن صار راهباً. “عندئذٍ تحرّر طريقه من المعاثر إذ سقطت جميع الإتهامات ضدّه" (59).

في قصة مرهوبة من سيرة القديس أنطونيوس الكبير يرد التالي: أيقَظَهُ صوتٌ في الليل ودفعه أن يخرج من قلّايته ويلقي نظرة. وبالفعل رأى شخصاً "طويل القامة، بشكلٍ غير جسديّ ومرهوب"، لقد كان الشيطان واقفاً ورافعاً يديه، مانعاً البعض من الصعود ممسكاً بهم وصارفاً أسنانه على آخرين الذين نجوا وصعدوا نحو السماء. لقد أُعلِن للقديس أنطونيوس الكبير أن هذا المشهد المرهوب هو "مرور النفوس" (60).

يصف القديس يوحنا السلّمي مشهداً مرهوباً رآه إستفانوس الناسك في جبل سيناء قرب مغارة النبي إيليا. في اليوم قبل موته، كانت عيناه مفتوحتان وحصل في حالة انخطاف وطفق يتطلّع من فراشه نحو اليمين واليسار. سمعه الموجودون معه يجيب كأنه في جلسة تحقيق. تارةً يقول: “هذا صحيح بالتأكيد، لهذا السبب صُمتُ لعدّة سنين". وتارةً يجيب قائلاً: “نعم، هذا صحيح، لكنّي بكيتُ وقمت بخدمة إخوتي". وتارةً: “كلّا، إنت تَتَهِمُني زوراً.” وفي بعض الأحيان:”هذا صحيح، ولست أملك أي عُذر، لكن الله رحيمٌ". ويُضيف القديس يوحنا السلّمي أن "هذه المحاكمة غير المنظورة والقاسية كانت بالفعل مشهداً مُخيفاً ومُرعباً". أسوأ ما في هذه المحاكمة أنه اتُّهِم بأفعال لم يقم بها أبداً"(61).

يظهر مما ذكرنا أن كامل تقليد الكنيسة يتكلّم عن شياطين الجمارك، وأرواح الهواء، التي تحارب الإنسان بحقد وشر ليس في حياته فقط بل قبل وبعد خروج نفسه من جسده بشكل خاص.

لكن في تقليد الكنيسة، نرى بوضوح أن الشياطين لا تملك أي سلطان على الأشخاص الإلهيّين، لأن المتوشّحين بالله لا يختبرون هذا النزاع. إن كان حاكم هذا العالم لا يملك أي سلطة على المسيح، فهذه الحال ذاتها تكون عند الذين اتّحدوا به. لهذا السبب، ينصح الآباء القديسون أن نحيا في الكنيسة بالتوبة والاعتراف والأعمال الروحيّة، وأن نحيا ونموت في الكنيسة بالإيمان الأرثوذكسي القويم وصلوات آبائنا، كيلا يكون لحاكم الظلام والأرواح الشريرة أي سلطان علينا.

في جميع الأحوال، إنها لحقيقة أن معركة عظيمة تحصل عند خروج النفس من الجسد، بشكل رئيسي عند الأشخاص غير الطاهرين بشكل كامل. الأمر المرهوب هو أن العديد من الناس هذه الأيام يموتون من دون أي وعي ومعرفة عن ساعة الموت المروّعة. بعبارات أُخرى، إن أمراض أيّامنا وسموم ثقافتها المدنيّة العظيمة تشوّه جبلة الإنسان النفسيّة-الجسديّة وتسبّب صعوبة في المرور في تلك الساعات البالغة الأهمّيّة في يقظة وصلاة ومخافة الله. إن العلاجات النفسيّة والعقاقير تساعد بالتأكيد في عدم الشعور بالآلام والأمراض، لكنّها تشوّه جبلتنا النفسيّة-الجسديّة بشكل كامل، إنها لا تؤهّلنا أن ننتبه لما يحصل معنا وأن نطلب رحمة الله.

تلك الساعات هي مهمّة جدّاً. لأجل ذلك، جميع الذين يخافون الله ويملكون معرفة روحيّة عن اللحظات المهمّة في حياتهم يُصَلّون أن يكونوا واعين للأمور التي تحصل في ذلك الحين. إنها فرصة حقيقيّة للإنسان أن يتوب عن كل ما اقترفه وأن يطلب رحمة الله. إن اليقظة في تلك الساعة الرهيبة هي العمل الأكثر أهمّيّة. لذا تُصَلّي الكنيسة لله أن يُنجّينا من "الموت الفجائيّ".

لكن علينا أن ننظر إلى المحطّات الجمركيّة من جهتين. من جهة هناك خبث الشياطين ومن جهة أخرى هناك وجود الأهواء. نجد في التعليم الآبائي أنه يوجد تفسير آخر للمحطّات الجمركيّة. أودّ الآن أيضاً، من دون غض النظر عن التعليم القائل بوجود حكّام الظلام والأرواح الشريرة، أن أنتقل إلى تعليم آباء الكنيسة عن المحطّات الجمركيّة.

لقد قلنا سابقاً أيضاً أن النفس حين تشارف على الخروج من الجسد، حينها تعود ذكرى الخطايا للإنسان الذي ارتكبها. إنه فعلاً وضعٌ لا يُطاق. يتكلّم عنه القديس يوحنا الذهبي الفم قائلاً أن نفس الإنسان في اليوم الأخير من حياته البيولوجية "تلتوي من جراء خطاياه" وتتأجّج. يُشير هذا إلى الأهواء التي "تنبعث من عمق القلب" (62). إن الأهواء تبحث عن إشباع الرغبات، لكن الإنسان لا يستطيع الإستجابة، أنه وضعٌ رهيب فعلاً.

تشتدّ رغبة النفس الشريهة عند انفصال النفس عن الجسد. ينسب القديس غريغوريوس النيصصي التفسير التالي لأخته ماكرينا. يقول أنه كما يحصل للناس حين يبقون في الأماكن الرجسة لوقت طويل، ولا يتحرّرون من رداءة الأدناس حتى إذا عاشوا بعد ذلك في الهواء العليل، كذلك يحصل للنفس حين تنفصل عن الجسد. إن محبّي البشرة، وإن عادوا إلى الحياة الروحانية الطاهرة، هم غير قادرين أن يتحرّروا من النشوة الشهوانيّة. حينها بالضبط تصبح النفس مادّية أكثر مما كانت وبذلك "يصيرون إلى شدّة أعظم". يُضيف القديس غريغوريوس أنه إذا ما صحّ قول بعض الناس أنه يُمكن رؤية الأشكال الخياليّة للراقدين قرب القبور، فهذه إشارة بأن النفس لا تريد أن تنفصل عن حياة البشرة حتى بعد انفصالها من الجسد. إن مثل الإنسان الغنيّ ولعازر، حيث يجد الإنسان الغني نفسه في الجحيم ويبدو أنه يفكّر بأقربائه، يُشير أن نفوس مُحِبّي البشرة لا تستطيع البتة الإبتعاد عن الأهواء التي تشكّل الحياة الشهوانية (63).

يُعَلّمنا التقليد الأرثوذكسي بوجود أهواء الجسد وأهواء النفس. بما أن النفس مُتّحدة بالجسد، هناك أيضاً علاقة بين أهواء الجسد والنفس. تعمل أهواء النفس من خلال حواس الجسد. حين تنفصل النفس من الجسد فهي لا تستطيع أن ترضي أهواءها. إن الأهواء غير المُشبَعة تسبّب ألماً لا يُطاق وحالة اختناق. إنها تقضي على النفس. هذه جحيم حقيقيّة وعذاب مُريع. لهذا السبب ينصحنا الآباء القديسون أن نُنَقّي نفوسنا من أهوائنا في حياتنا الحاضرة، كي تتحرّر النفس وتُطلَق عند خروجها. يجب أن تكون النفس راغبة ومُنجَذِبة ألى الله بذاته.

هناك إشكاليّة أخرى للنفس بعد خروجها من الجسد. يُعلّم القديس غريغوريوس النيصصي أن الطبيعة كلّها تنجذب إلى ما يُماثلها، إلى أقاربها. كذلك النفس تدنو نحو الإلهيّات وما يتعلّق بها، إذ أن الإنسان مُتَعَلِّقٌ بالله ويحوي بداخله صورة مثاله. تكون النفس خفيفة عندما تترك الجسد، لا يعتريها أي ألمٍ جسديّ، لذا فمن السهل والحسن أن تتجه إلى ما تنجذب إليه، إلى الله. لكن إن كانت العادات المادية وحمأة الأهواء تشتمل النفس، فهي تُكابد العذاب الذي يعتري الجسد خلال الزلازل، بحيث أنها لا ترزح تحت وطأة الأرض فحسب بل تخترقها الأجسام الحادّة الموجودة في الأرض (64).

هذا هو بكل بساطة ما يشكّل عذاب النفس. إنّها تختبر، بمعنى من المعاني، تَفَرُّعاً مرهوباً. من جهة تريد أن ترتفع نحو الله وتتحد به لأنها صورته، ومن جهة أخرى تُعيقها الأهواء وتضغط عليها وتعذّبها. هذه النظرة هي جزء من تفسير الآباء القديسين للمحطّات الجمركيّة.

يصف الأنبا دوروثاوس عذاب النفس حين تنفصل من الجسد بطريقة رائعة وواقعية. يقول أن النفس تترفّه في حياتها من خلال اللهو بالأهواء. يُمكن أن تشعر بالحزن الشديد والألم الشديد، لكن بواسطة الجسد والأهواء يمكنها أن ترتاح وتُخفّف آلامَها. عند الحزن والخوف، "يأكل الإنسان، يشرب، ينام، يلتقي بأصدقائه ويتعزّى بهم"، بكلام آخر، يتواسى الإنسان بأعزّائه وأقربائه. بذلك، هو يرتاح جزئيّاً ويمكن له أن ينسى مصيبته وما يشغل باله بطريقة سهلة. لكن عندما تنفصل النفس من الجسد، "تكون وحيدة مع أهوائها وتتعذّب بها دوماً". في ذلك الوقت تتحرّق النفس بمُضايقة الأهواء، تتوه بها ولا يمكنها التَيَقُّظ لله. هذه مأساة حقيقيّة، إذ أن عدم وجود الجسد في ذلك الوقت يمنعها أيضاً أن تشعر بأدنى درجات الراحة.

يعرض الأنبا دوروثاوس مثالاً مُذهِلاً في ما يلي. لنفترض أن إنساناً سُجِنَ في غرفة مظلمة من دون مأكل ولا مشرب لمدّة ثلاثة أيّام ومن دون نوم ولا مقابلة أي شخص، ومن دون تسابيح أو صلاة أو أي ذكر لله. عندها يُمكنه أن يعرف "ما تعمل به الأهواء". في الواقع، إن كامل نفس الإنسان تكون غاضبة في هذه الحالة. نحن مُتَأّكِّدون من هذا من خلال العديد من الناس الذين يُعانون مراكز التعذيب والأسر المرير. فإذا كانت هذه هي الحال والنفس مُتّصلة بالجسد، فكم تكون الحال أقسى حين تنفصل من الجسد وتختلي بالأهواء (65).

يستعمل الأنبا دوروثاوس أيضاً مثال الإنسان المريض بالحُمّى مع حرارة شديدة الإرتفاع. هذا المرض يُسبّب عِللاً أخرى بالتأكيد، خاصةً إذا كان الشخص يُعاني من حالة حزن وأسى في جسمه. يحصل الأمر ذاته في النفس المُضطرِبة. “إن الإشكاليّة الناجمة من عاداتها السيّئة تُعاقِبها دوماً، فالذاكرة تتمرمر دائماً، همسات أهوائها تنبعث بشكل دائم، تُحرِقها وتُغيظُها". وإن أضفنا على هذه العذابات الجحيمَ والشياطين والنار والظلمة إلخ… حينها يُمكن أن نفهم عذاب ومرارة النفس بعد خروجها من الجسد ومُكوثِها في الجحيم.

تُبيّن الأمور التي ذكرناها حتى الآن ماهيّة المحطّات الجمركيّة التي تتحدّث عنها النصوص الآبائيّة. من جهة، هي أهواء النفس التي لا يُمكن إشباعُها بسبب غياب الجسد وبالتالي تشكّل عِبئاً على النفس. ومن جهة أخرى، هي الشياطين التي تسلّطت على ذوي الأهواء ومن الطبيعي أن تملك سلطاناً أعظم على النفس بعد خروجها من الجسد. الصالحون الذين طهّروا نفوسهم وأجسادهم من الأهواء خلال حياتهم واتّشحوا بسلاح الروح واتّحدوا بالله يتفادون المحطّات الجمركيّة إذ لا سلطة للشياطين عليهم. نفوس الصِدّيقين تُقادُ حرّةً وغير غافلة نحو الله الذي به اتّحدوا.

إذن، النقطة الأساسيّة هي ألّا نجزع من المحطّات الجمركيّة ما دُمنا نعيش ونطهّر نفسَنا وكامل كيانِنا من الأهواء ونشترك بنعمة الله غير المخلوقة كي يكون خروج نفسنا من جسدنا داعياً للفرح والابتهاج.

طبعاً هناك البعض من الذين يدّعون ان مفهوم المحطّات الجمركيّة والأروح الهوائية قد دخلت المسيحيّة من خلال النظريّات الغنوصيّة والأساطير الوثنيّة التي كانت سائدة في ذلك الزمن.

لا شك أن هذه المفاهيم يمكن أن توجد في عدّة نصوص غنوصيّة وفي أفكار وثنيّة موجودة في أساطير مصريّة وكلدانيّة. لكن لا بد من التشديد على أن العديد من الآباء قد تبنّوا تعليم المحطّات الجمركيّة وحرّروه من الدلائل الوثنية والغنوصية ووضعوه في الإطار الكنسي. إن الآباء القديسين لا يخافون من القيام بعمل إبداعي كهذا.

إنها لحقيقةٌ أن الآباء عملوا بابتكار مُثمِر عندما إخذوا عدّة آراء ونظريّات من العالم الوثني، لكنّهم أعطوها مضموناً كنسيّاً. إنه معروفٌ أن الآباء أخذوا التعليم عن خلود النفس، عن نشوة الإنسان، عن تَجَرُّد النفس والجسد، والتعليم عن الأقسام الثلاثة للنفس وعدّة أمور أخرى من الفلسفات والتقاليد القديمة، لكنهم أعطوها بكل وضوحٍ مضموناً ومنظوراً آخراً. لا يُمكننا الإزدراء بالتعليم عن خلود النفس فقط لأن الفلاسفة القُدامى تكلّموا عنه. يجب علينا النظر إلى المضمون الذي أعطاه الآباء للتعليم.

بالتالي، ما ينطبق على المواضيع الأخرى ينطبق أيضاً على موضوع المحطّات الجمركيّة. من الصحيح أن تقاليد قديمة وآراء هرطوقيّة قد تكلّمت عن "حكّام الدائرة الفضائية"، عن "ممرّات الرحلات الفضائية"، عن "أرواح هوائية" إلخ... نجد العديد من هذه العبارات في الكتاب المقدّس والنصوص الآبائية. كما ذكرنا في هذا الفصل، العديد من آباء الكنيسة قد تكلّموا عن المحطّات الجمركيّة والأرواح الهوائية، لكنّهم أعطوها مضموناً آخراً ومعنى مُغايِراً. يجب أن يُفَسَّر التعليم عن المحطّات الجمركيّة من ضمن النقاط الأربعة التالية:

أولاً: إن اللغة الرمزيّة في الكتاب المقدّس تحتاج إلى التفسير اللازم. أي شخصٍ يَتَقَيّد فقط بالصور المُستَخدَمة هو يُشَوّه إعلان الإنجيل. مثلاً، علينا القول أن كلمات الكتاب المقدّس يُمكن إساءة تفسيرها إذا نظرنا فقط إلى معناها اللاهوتي. يَصُحّ هذا أيضاً في موضوع المحطّات الجمركيّة. لا يجب أن نفكّر فقط بالمحطّات الجمركيّة الموجودة في أيّامنا هذه والتي يتوجّب على الجميع المرور بها عند الإنتقال من بلد إلى آخر. إن القصد من الصورة الرمزيّة هو إظهار أمرً ما، لكن يجب تفسيرها بطريقة أرثوذكسيّة.

ثانياً: الشياطين التي هي ملائكة الظلام الساقطة هي موجودة. إنها أشخاص وبالتالي تملك الحرّية، وبإذنٍ من الله لكن باستعمالٍ خاطئٍ لحرّية الإنسان، قد استطاعت أن تتسلّط على الإنسان. أي أنها، بعد خروج النفس من الجسد، تُطالِب الشياطين الإستيلاء على نفسٍ قد تسلّطت عليها لِعَدَمِ تَوْبَتِها. في مَثَل المسيح المعروف عن الإنسان الغني تَرِد الآية التالية: “يا غبيّ! هذه الليلة تُطلَب نفسك منك فهذه التي أعددتَها لِمَن تكون؟" بحسب التفسير الآبائي، إنها الشياطين التي تطلب الإستيلاء على نفس الغني الغبي بعد خروجها من جسده.

ثالثاً: لا سُلطة للشياطين على رجال ونساء الله. جميع الذين اتّحدوا بالله والذين يملكون في داخل نفسهم وقلبهم القوى الإلهيّة غير المخلوقة هم خارج تَحَكُّم الشياطين. فالمُتَأَلِّهون لن يمُرّوا بما يُسَمّى المحطّات الجمركيّة.

رابعاً: بحسب تعليم الآباء، وكما رأينا سابقاً، الشياطين التي هي أرواح حقيقية تعمل بواسطة الأهواء. حقيقة أن الأهواء لا يُمكن إشباعُها بغد خروج النفس من الجسد هي اختناقٌ للنفس.

عندما نتفحّص المحطّات الجمركيّة في هذا الإطار اللاهوتي، فلا يوجد أي إشكاليّة أو التباس في هذا التعليم. أمّا إذا كنّا نملك فَهْماً وتَصَوُّراً آخر فنحن على خطأ.

هوامش:

48. أنظر التحليل المُفَصَّل في: G. Konstantinou: Dictionary of holy Scriptures, ed. Grigori, op. 966 (Gk).

49. مكاريوس المصري: العظة 43، 9، CWS، ص. 222.

50. باسيليوس الكبير: عظة عن المزمور 7، 2. PG 29, 232B, D.

51. القديس يوحنا الذهبي الفم، العظة 44 عن إنجيل متى، EPE 11, p. 170 (Gk).

52. Sources Chretiennes 174, p. 310.

53. ذياذوخوس فوتيكي: “المعرفة الروحيّة100، الفيلوكاليا 1، صفحة 295.

54. Evergetinos, op. cit. p. 101f.

55. المرجع ذاته، p. 102f.

56. هزيخيوس: “اليقظة والقداسة" 161، الفيلوكاليا، 1، صفحة 190.

57. المرجع ذاته، 149، صفحة 188.

58. ثيوغنوسطس: “ممارسة الفضائل" 61، الفيلوكاليا، صفحة 2.

59. Evergetinos, op.,cit. p. 99.

60. المرجع ذاته، p. 100.

61. يوحنا السلّمي: الدرجة السابعة، CWS p. 142.

62. القديس يوحنا الذهبي الفم، العظة 44 عن إنجيل متى، EPE 11, p. 168 (Gk)

63. غريغوريوس النيصصي: “النفس والقيامةCh. 6, SVS p. 76.

64. المرجع ذاته، p. 83.

65. دوروثاوس: الحديث 12، مخافة العقاب، CS 33, p. 183f.

 

المصدر:

Life After Death, trans. Esther Williams (Levadia, Greece: Birth of the Theotokos Monastery, 1995), pp. 62-80.

http://www.johnsanidopoulos.com/2013/10/the-taxing-of-souls-or-on-toll-houses.html