ثلاث اتجاهات قبل سقوط القسطنطينيَّة

الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس

تعريب نديم سلّوم

 

عندما سقطت القسطنطينية في 29 أيار 1453، المدعوَّة بالأمبراطورية "البيزنطية"، ولكن في الحقيقة الأمبراطورية الرومانية، كانت قد أصبحت ضعيفة بسبب الإحتلال الإفرنجي في العام 1204 مع الحملة الصليبية الرابعة، بالإضافة إلى احتلال العثمانيين لعدَّة مقاطعات. بالتالي، كان الجزء الحر الوحيد من الأمبراطورية الرومانية السابقة المزدهرة هي القسطنطينية وضواحيها.

في ذلك الوقت، قبل سقوط القسطنطينية، وُجِدَتْ ثلاثة اتجاهات أيديولوجية وفكرية سائدة، تمتَّعت جميعها بخطط مختلفة للحفاظ على الأمبراطورية الرومانية الحرة آنذاك. يعطينا Steven Runciman معلومة قيِّمة عن هذا الموضوع.

كانت الإتجاهات الثلاثة متمثِّلة من خلال ثلاث شخصيات مهمة: الميتروبوليت بيصاريون من نيقية، وجاورجيوس جيمستوس بليثو، وجاورجيوس – جنَّاديوس سكولاريوس الذي أصبح لاحقًا البطريرك القسطنطيني الأول تحت الهيمنة التركية. شارك الثلاثة في مجمع فرَّارا – فلورنسا (1438-1439)، وكل واحد منهم لعب دورًا معيَّنًا في أحداث ذلك الزمن.

أكثر تحديدًا، عبَّر الميتروبوليت بيصاريون النيقاوي - الذي درس في جامعة القسطنطينية وكان أفلاطونيًا - عن الإتجاه الأول، ومثَّل رؤية إمكانية خلاص القسطنطينية والأمبراطورية الرومانية بشكل عام إذا اتَّحدت الكنيسة الأرثوذكسية مع البابا. انضمَّ في النهاية بيصاريون إلى الكاثوليكية وأصبح كاردينالاً وكان على وشك أن يُنتَخَب بابا روما.

عبَّر جاورجيوس جيمستوس بليثو عن الإتجاه الثاني، الذي "ربما كان المفكِّر الأكثر أصالةً في بيزنطية". أنهى دراسته الجامعية وكان بطلاً للهلِّينيَّة. كان فيلسوفًا أفلاطونيًا وعندما كان في فلورنسا، أعطى دروسًا عن أفلاطون، في مساعدة لإعادة التركيز على نهضة الأرسطية داخل الأفلاطونية. افترض جاورجيوس جيمستوس بليثو أنَّ إنقاذ الأمبراطورية سيأتي من خلال العودة إلى الهلِّينيَّة القديمة، وإصلاحها تحت مبادئ أفلاطون. نأى بنفسه عن القسطنطينية وسكن في ميسترا ومات هناك، حيث طوَّر نظرياته ولكنه لم يقنع أحدًا.

كان الإتجاه الثالث متمثِّلاً بجاورجيوس جنّاديوس سكولاريوس الذي كان تلميذًا للقديس مرقس الأفسسي. أنهى سكولاريوس دراسته في جامعة القسطنطينية وعرف السكولاستيكية، لكنَّه في النهاية تأثَّر كثيرًا بالقديس مرقس الأفسسي، فأنهى الدراسة البطريركية وغرق في اللاهوت الآبائي. كان جاورجيوس جنّاديوس سكولاريوس على اعتقاد أنَّ إنقاذ الأمبراطورية سيأتي من التقليد الأرثوذكسي اليوناني نفسه عندما يُختَبر بالكامل، أي عندما يرتكز على أُسُس روحية.

من الواضح أنَّ جاورجيوس جنّاديوس سكولاريوس كان مدافعًا حقًّا، وقد أصبح أول بطريرك بعد سقوط القسطنطينية، مساعدًا في حفاظ وعي الأمبراطورية على التقليد وقد نجح في ذلك، كما يعترف Runciman. فشِل الإتجاهان الآخران أي أنَّ الحفاظ على الأمبراطورية سيأتي من خلال إتحاد الكنيسة الأرثوذكسية مع البابا أو العودة إلى الوثنية القديمة. ساعدت خبرة جنّاديوس في الحفاظ على هوية الأمبراطورية وحرِّيتها من سيطرة العثمانيين ضامنةً إمكانية التحرر في الوقت المناسب. من خلال هذه النظرة، نستطيع أن نرى هبة الكنيسة الأرثوذكسية والإكليروس والأديار في إنقاذ وعي الأمبراطورية ضدَّ الأتراك والحرية لاحقًا من الهيمنة التركية.

 

المصدر:

https://www.johnsanidopoulos.com/2013/06/three-trends-before-fall-of.html