حركة تيزيه المعاصرة، وجهٌ من أوجه التّضليل

إعداد مجموعة القديس غريغوريوس بالاماس

 

 

تعريف عن جماعة Taizé

عام 1940 ترك روجيه شوتز موطنه "سويسرا"، وتوجّه إلى فرنسا ليعيش في قرية تُدعى "تيزيه" Taizé. هناك أسّس رهبنة مسيحيّة مسكونية، تضمُّ اليوم من أكثر من مئة راهب من جنسيات متعددة، كاثوليك ومِن خلفيّات بروتستانتينيّة عديدة. في أسبوع محدد من السنة، تستقبل هذه الجماعة حُجّاجًا من فئة الشبيبة على وجه الخصوص، يُنشِدون الشركة مع الله من خلال الصلاة الجماعية، الغناء، الصّمت، التأمّل الشّخصي، والمشاركة. توجّه الأخ روجيه إلى Taizé إبّان بدء الحرب العالمية الثانية وعاش هناك مدَّةَ سنتين مُقدِّمًا المأوى لللاجئين، بالدرجة الأولى لليهود. بعد انتهاء الحرب، انضمّ إليه شبّان آخرون، وأصبحوا فيما بعد أوّل رهبان القرية. مع توافد المزيد من الزوّار الذين يبتغون الصلاة الجماعية، بدأ التوسُّع وتمّ بناء أوّل معبد لهم تحت إسم "كنيسة المُصالحة" church of reconciliation عام 1962. منذ حوالي الثلاثين سنة، بدأت هذه الجماعة رحلات حج سنويّة إلى بلدان أخرى، يشارك فيها عشرات الآلاف من الشبَّان. ما تسعى إليه حسب قولهم، هو أن تقتني الشبيبة ثقة تجعلهم يتخطّون ذواتهم وتقودهم إلى "انفتاح أكبر".

روجيه شوتز، الذي كان يسعى إلى "توحيد الكنائس وكان متحمِّسًا للمسكونية" كما وصفه البابا فرنسيس، هو راهب بروتستانتي، وابنٌ لقسّ بروتستانتيّ. درس اللاهوت الإصلاحيّ (البروتستانتي) وسعى طوال حياته إلى "مصالحة" الكنائس المسيحية مع بعضها، من ثمَّ اقتبل الإيمان الكاثوليكي دون أن "يتحوّل" رسميًّا إليه ويقطع صِلَتَهُ بأصله البروتستانتيّ. كما أنّه اقتبل سرّ الشكر من البابا يوحنا بولس الثاني والبابا بنديكتوس وفي القداس اليوميّ المُقام في ديره، علمًا أن هناك قوانين تمنع من ليس في شركة كاملة مع الكثلكة من اقتبال المناولة عندهم. اضطرَّ إلى تَركTaizé  بعدما عَلِمَت الشرطة السرّيّة الألمانية بنشاطاته، من ثمّ عاد إليها وأسّس هذه الجماعة التي هي على شبه رهبنة منفتحة على جميع المسيحيّين. في15  آب 2005، قُتِلَ الأخ روجيه طعنًا، وقد اتُّهِمَت الفتاة التي قتلتهُ بأنّها غَيرُ سَوِيَّةٍ عقليًّا. في التحقيق وِفق موقع The Independent، قالت الفتاة بأنها كانت تحاول تحذير الأخ روجيه من وجود ماسونيين ورهبان شريرين ضمن جماعته، وتُقِرُّ بأنّها وجّهت السكّين نحوه ولكنها لم تَطعَنه.

 

الطقوس

تُقام الصلوات في Taizé ثلاث مرّات في اليوم: عند الصباح، الظهر، والمساء. تتضمّن هذه الصلوات:

1) الغناء: عبارة عن جملة قصيرة من المزامير تُعاد مرارًا وتكرارًا، كنوع من التأمُّل، مترافقة مع آلات موسيقية.

2) الصّلاة يوم الجمعة مساءً حول الصليب، حيث يضعون الصّليب على الأرض ويركعون حوله. المُلفِت هو وضعيّة الصليب على الأرض في وسطهم، ما يُشبه إلى حدٍّ مفاجئ ديانة التاو، حيث خلال ممارسة طقوسهم، يضعون كتاب ال تاو تي تشينغ (كتاب الطاوية) في الوسط، من ثمّ يغنّون النصوص التي في الكتاب بمرافقة الآلات الموسيقيّة

3) المناولة في  Taizéتتمّ على الطقس الكاثوليكي لكنّ الشعب يأخذ القربانة بيده ويتناولها بنفسه.

4) في منتصف كل صلاة جماعية يخصّصون فترة طويلة من الوقت للصّمت، يعتبر رهبان Taizé أنّ صمتهم صلاة لا تحتاج إلى أيّة كلمات أو أفكار. هذا الصّمت التّأمّلي مُقتَبَسٌ من مذهب الزن Zen البوذيّ، الذي يسعى لفصل المرء عن العالم وعن آلامه وأعباء هذه الحياة لِيُتحِدهُ بالإله المُطلَق حتّى يصِل إلى الإستنارة. يتمّ ذلك عن طريق إفراغ الذّهن من كلّ الأفكار والمشاعر. يُعتَقَد في هذه الديانات أنَّ هذا المطلَق هو طبيعة الإنسان الأصلية. بالتالي فإنّ أي ممارسة نسكية كهذه هي أولا متمركزة حول الذات، وهي تزدري بالقلب. هذه هي أقصى حدود الأساليب الشرقية في التأمل التي تدّعي أنها معاينة الله والتي بالحقيقة هي تأمل الإنسان لنفسه.

5) يتمّ قراءة الكتاب المقدس بعدّة لغّات. في تفسيراتهم للكتاب المقدّس يتّبعون تفسيراتهم الخاصّة لا تفسيرات الآباء القدّيسين الموحاة من الروح القدس. إنّهم يعملون عمل فلاسفة اليوم وغيرهم ممّن يسمّون أنفسهم لاهوتيين وهم يفسّرون الكتاب المقدّس بدون أخذ العقائد التي حفظتها الكنيسة لأجيال بعين الاعتبار، لا بل هم يهملون هذه العقائد ويزدرون بها. لكي نختبر ملء الوحي علينا أن نكون في الكنيسة ومنها.

 

اللقاء

ستقيم Taizé  نشاطًا في لبنان هذا الشهر، تحت عنوان "اللقاء العالميّ المسكونيّ للشَّبيبة في بيروت وهم يتوقّعون حضور ألف شابّ وشابّة، من لبنان وبعض بلدان الشرق الأوسط وأوروبا.

يبدو للوهلة الأولى أنَّ هذا اللقاء لا يحمل خطرًا ظاهريًا على المشاركين (الأرثوذكسيين) ولكن المنغرس في الحياة الكنسيَّة الأرثوذكسيَّة يدرك أنَّ هكذا لقاءات تترك شذرات خبيثة في الحياة الروحية للمؤمن مما يجعله فريسةً سهلةً للسقوط في الهرطقة.

تُعرِّف "تيزيه" نفسها أنَّها جماعة مسكونية[1] ولا تنتمي لأي كنيسة. كما أنَّه خلال اللقاءات التي يقوم بها أعضاؤها في جولاتهم العالميَّة لا يعلِّمون العقائد بل يركِّزون على الأمور الإجتماعية. هذا الأمر أسوأ من الحوارات الرسميَّة التي تحصل بين "الكنائس". على الأقل أثناء الحوارات مع غير الأرثوذكس، نعرف ما هو تعليمهم وكيفيَّة مواجهته. أمَّا مع هذه الجماعة المسكونية التي "لا تؤمن بعقيدة محدَّدة" فلا نعرف كيفيَّة المواجهة لأنها تعتبر الكل متساوي أمام الله إلى أي ديانة انتموا. إحدى الطرق التي تستخدمها الجماعات المسكونية هي في عدم التكلُّم في العقائد. وهذه المحاولة هي للحَدِّ من العقائد حتَّى أقلّ درجة ممكنة بُغيَة تجاوز الخلافات بين الطوائف. النتيجة هي التَّغاضي عن العقائد، لتقليل وتقليص أهميتها. إنَّ العقائد التي تبرز حقائق إيماننا المُتَفَوِّق ليست أفكارًا مجرَّدة أو نظرية في ذهننا، كما أنها ليست نتائج لِظَلاميَّة القرون الوسطى أو اللاهوت السكولاستيكيّ، بل بالأحرى تُعَبِّر عن خبرة الكنيسة وحياتها. لذلك عندما نجد اختلافًا في العقيدة سيحصل بالتَّأكيد اختلاف في نمط الحياة. إذًا، كلّ من يستخف في دِقَّة (akrivia) الإيمان لا يمكنه أن يعيش ملء الحياة في المسيح. أمَّا من الناحية الإجتماعيَّة، عندما يختلط الصوت الأرثوذكسيّ مع أصوات "مسيحيَّة أخرى" يفقد نقاءه ولن يعود قادرًا على التَّواصل مع أسلوب حياة الإنسان المعاصر. ما يحتاجه الإنسان المعاصر ليس تحسين حياته مرتكِزًا على مسيحيَّة دنيويَّة، حتَّى لو كان هذا يقضي على الجِراح الاجتماعيَّة، بل على التّحرُّر من الخطيئة والتألُّه عبر الإتحاد الحقيقيّ بجسد المسيح، أي بالكنيسة الأرثوذكسيَّة.

كل ما يأتي من الغرب يجب دراسته بشكل دقيق وليس استقباله بشكل عشوائي. لدى الشرق المسيحي خبرة سيئة كبيرة في التعامل مع الموفدين الغربيين. نذكر فقط مثلاً بسيطًا وهو استقبال البطاركة الأنطاكيين، أمثال إفثيميوس الرابع ومكاريوس الثالث (ابن الزعيم)، للمرسلين الغربيين والسماح لهم بالتردد على البيوت الأرثوذكسيَّة وأوكلوا إليهم في بعض الأحيان خدمة الرعايا وتعليم أفرادها، فأفسدوا الإيمان الأرثوذكسي مما أدَّى لانشقاق مجموعة كبيرة عن الكنيسة الأرثوذكسيَّة والتحقت بروما وأطلق أعضاؤها على أنفسهم لقب "الروم الملكيين الكاثوليك".

تشدد جماعة "تيزيه" في لقاءاتها على السلام العالمي بين الشعوب تحت غطاء المسيحيَّة. كما يشاركهم في هذا الرأي بعض المسكونيين الأرثوذكس. في الكنيسة لا كلام عن السلام إلاَّ السلام في المسيح. يتكلَّمون عن السَّلام والعدالة والحرِّية والمحبَّة وباقي الصِّفات الروحيَّة بأسلوب بارد ودُنْيَوِيّ وبلا مُبالاة. يتجاهلون ذِكْر أنَّ هذه الصِّفات الروحيَّة هي ثمار الروح القدس والتي هي مواهب إلهيَّة أُعطيت إلى الذين تَعَهَّدوا أن يُناضلوا روحيًّا بـ"يسوع المسيح" وليس داخل الاجتماعات بين الأديان.

في تبرير اجتماعاتهم المتواصلة مع غير الأرثوذكس وآخرها الآن مع "تيزيه"، يستخدم المسكونيون الأرثوذكس الحجَّة التالية: "نحن فقط نتباحث، لن نغيِّر إيماننا. الحوار مع الآخر ليس خطأً." بالطبع، الحوار كـ"نهج محبَّة" تجاه الآخر هو مُرضِيٌّ لله. ولكن لا يعبِّر بعض المُمَثِّلون الأرثوذكس عن الإيمان الراسخ للكنيسة الأرثوذكسيَّة التي هي بالحقيقة كنيسة المسيح الوحيدة على الأرض. كذلك لا يُثيرون لهم التَّقليد المُقَدَّس والخبرة الروحيَّة الأرثوذكسيَّة المختلفة عن تقاليد الغرب المسيحيّ وخبراته. فقط مثل هذا الموقف الإعترافي سيكون قادرًا أن يجعل الوجود الأرثوذكسيّ في الحوارات مُثمرًا ومُنْتِجًا. ما يحصل هو اعتراف متبادل فنسقط في فخِّ التَّوفيق بين العقائد.

الحجَّة الأسوأ التي يتحجَّج بها المسكونيون الأرثوذكس هو أنَّنا نصلي مع بعضنا من دون أن يكون هناك شركة إفخارستيَّة أي قداس إلهي ومناولة مشتركة. من خلال التَّصدِّي للمعيار الأرثوذكسي، أصبح من الطبيعي جدًّا أن يشترك المسكونيُّون الأرثوذكس من دون تَرَدُّد في العبادة مع غير الأرثوذكس وفي الصلوات المشتركة التي تحصل في اللقاءات المسيحيَّة. يعلمون أنَّه من خلال عملهم المشترك الروحيّ المسكونيّ هذا يخلقون بيئةً نفسيَّة ًضروريَّةً لِتَسْويق جهاداتِهم للوحدة. يقول القديس اسحق السرياني "احترس من قراءة تعاليم الهراطقة لأنها تمد روح التجديف بالسلاح فيحاربك". اذا كان القديس اسحق يمنعنا حتّى من قراءة تعاليمهم فكيف بالأحرى الإجتماع والصلاة معهم نظرًا لما تحمل من خطر على حياة المؤمن الروحيَّة. تمنعنا القوانين الكنسيَّة المقدَّسة بشدَّة من الصلاة مع غير الأرثوذكس الذين لا يشتركون معنا في الإيمان الأرثوذكسيّ. يؤمنون بمسيح مختلف ومُشَوَّه. يدعوهم القديس يوحنّا الدمشقيّ بالملحدين: "كلّ من لا يؤمن بحسب تقليد الكنيسة الجامعة يكون جاحدًا". إذًا، الصلاة مع غير الأرثوذكس هي مُحَرَّمة لأنَّك تؤكِّد وتشارك في إيمانهم، وتعطيهم الانطباع الخاطئ أنَّهم ليسوا في ضلال لذلك ليسوا في حاجة للعودة إلى الحقّ.

النقطة الأخيرة والأخطر هي ما يُسمَّى بـ"تبادل الخبرات". عن أي خبرات يتكلَّمون. عن طريقة الصلاة الغريبة التي تتَّبعها "تيزيه" أم عن اختصار الصلوات من خلال تكرار آيات من الكتاب المقدس أم عن موافقتنا على المثليَّة الجنسيَّة...؟ أي خبرات ستنقلها "تيزيه" إلى الوفد الأرثوذكسي؟

 

 


[1]لمزيد من المعلومات عن موضوع المسكونية، الإطلاع على الموقعين التاليين

 http://saintgregorypalamas.org/saintgregorypalamas/blog-detail.php?id=125

https://www.facebook.com/302267703457410/posts/662673164083527?sfns=mo