المقال الأوّل في الصَّوم للقدِّيس باسيليوس الكبير -الجزء الثالث-

صفحة القديس غريغوريوس بالاماس

تعريب ميشال بو صعب

 

 

 

 

 

أتظنّون أنّني آتي بأصول الصَّوم من القوانين الكنسيَّة؟ في الواقع، الصوم أقدم من القانون. لنتريّث قليلًا سأكشف لكم حقيقة هذا الأمر.

الصَّوم هو أول وصيَّة أعطاها الله في الفردوس. وعندما خالفها آدم وحواء، سقط الجنس البشري بأكمله في الخطيئة. لا تظنّوا أنَّ يوم الكفّارة، الذي حُدِّدَ لإسرائيل في اليوم العاشر من الشَّهر السَّابع (لا ١٦: ٢٩)، هو اليوم الذي بدأ الصوم فيه. إذا ألقينا نظرةً على التّاريخ نستطيع تحديد أصل الصوم لأنّه ليس بأمرٍ مستحدث بل هو تشريعٌ من الآباء. وكلّ شيءٍ قديمٍ يستحقّ الإحترام. إحترموا قِدم وأصل الصوم، فهو قديمٌ تمامًا كالجنس البشري لأنَّه حُدِّد وأخذ شرعيته في الفردوس. إنَّه الوصيَّة الأولى التي تلقّاها آدم: "وَلَكِنْ إِيَّاكَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لأَنَّكَ حِينَ تَأْكُلُ مِنْهَا حَتْماً تَمُوت" (تك ٢: ١٧). "إِيّاكَ أن تَأكل"! إنَّه منعٌ قانونيّ يرتِّب الصوم وضبط النَّفس. لو امتنعت حواء عن أكل الثمر من الشَّجرَة، لما كان من الضروري لنا أن نصوم، "لا يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى الطَّبِيبِ، بَلِ الْمَرْضَى" (متى ٩: ١٢).

لا قيمة للتَّوبة من دون صوم

لقد عانينا الكثير من الأمور الشرّيرة بسبب الخطيئة، فلنتطهَّر بواسطة التوبة. ولكن لا قيمة للتوبة من دون الصَّوم، "مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ... شَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ"(تك ٣: ١٧، ١٨). لقد أُمِرتم لتُمتَحَنوا، وقطعًا ليس من أجل أن تعيشوا حياة رفاهية. اعترفوا لله في صومكم.

طريقة الحياة في الفردوس هي أيضًا صورةٌ عن الفردوس. ليس فقط لأنَّ آدم وحوّاء وهما يجلسان على المائدة نفسها مثل الملائكة نجحا بالتمثّل بهم من خلال التقشّف، بل لأنَّ كل الأشياء التي ابتكرها الإنسان في ما بعد، لم تكن متوفِّرة للذين تغذّوا في الفردوس (آدم وحواء). لم يكن ثمة شربٌ للخمر ولا قتلٌ للحيوانات، ولا أيّ من الأمور التي تضيّع العقل.

المرجع:
http://pemptousia.com/2018/12/1st-discourse-on-fasting-3/