تاريخ غطاء الرأس عند النساء في الكنيسة الأرثوذكسية

الأب جوزيف غليسون

(ترجمة: ماهر سلوم)

 

جرى التقليد منذ ألفَي عام في الكنيسة الأرثوذكسية أن تغطّي النساء والفتيات رأسهنّ خلال العبادة إن كانت في الكنيسة عند الخِدَم الليتورجية أو في البيت عند وقت صلاة العائلة.
 ما هي الدلائل الكتابية والآبائية لهذا التقليد، ولماذا هو مُهِمّ؟

سوف ننظر في هذا المقال لغطاء الرأس في العهدَيْن القديم والجديد، بحسب الكنيسة الأولى، في الأيقونات وفي أيامنا هذه. وسوف نورِد روابط إضافية (باللغة الإنكليزية) في نهاية المقال (أنظر المقال الأصلي أدناه) عن غطاء الرأس في المسيحيّة.

 

غطاء الرأس في العهد القديم

خلال قُرونٍ قبل ولادة المسيح، كان غطاء الرأس عند النساء ممارسة مقبولة لشعب الله. لم يكن مُجَرَّد خَيار للواتي تُرِدْنَ أن تَكُنَّ قِدّيسات. لكنه كان أمراً واقعيّاً أن تغطّي النساء رأسهنّ.

عندما أوحى الله لموسى أن يُدَوِّن الكتب المقدّسة الخمس الأولى، كان غطاء الرأس يُعتَبَر ممارسة طبيعية. في سفر العدد، يُحدِّد الكتاب إحتفالاً وحيداً يَتِمّ خلاله نزع غطاء الرأس:

“وَيُوقِفُ ٱلْكَاهِنُ ٱلْمَرْأَةَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَيَكْشِفُ رَأْسَ ٱلْمَرْأَةِ، وَيَجْعَلُ فِي يَدَيْهَا تَقْدِمَةَ ٱلتَّذْكَارِ” (عدد 18:5)

بالتأكيد، لا معنى لهذا الأمر إن لم تكن العادة أن تغطّي النساء رأسهنّ.

حتى قبل هذا، نقرأ في سفر التكوين عن رفقا خلال رحلة قامت بها للقاء زوجها المستقبليّ إسحق:

“وَرَفَعَتْ رِفْقَةُ عَيْنَيْهَا فَرَأَتْ إِسْحَاقَ فَنَزَلَتْ عَنِ ٱلْجَمَلِ. وَقَالَتْ لِلْعَبْدِ: «مَنْ هَذَا ٱلرَّجُلُ ٱلْمَاشِي فِي ٱلْحَقْلِ لِلِقَائِنَا؟» فَقَالَ ٱلْعَبْدُ: «هُوَ سَيِّدِي». فَأَخَذَتِ ٱلْبُرْقُعَ وَتَغَطَّتْ.” (تكوين 64:24-65)

إجتهادُها الإلهي هو أُمثولة لنساء اليوم. لم تتفاخَرْ بِجَمالها الجسديّ. بل سَتَرتْ ذاتَها، وازدادت جَمالاً من خلال إظهار تواضُعِها.

يمكن إيجاد غطاء الرأس عند النساء في قصة سوسنّة. إنها القصة العجيبة لإمرأة جميلة وفاضِلة قد اتُّهِمَت زوراً، ومن ثم ظهرت براءتُها بواسطة دانيال الكلّي الحكمة. كانت سوسنّة تلبس سِتراً يغطّي رأسها ووَجهها أيضاً. يستنكر الكتاب المقدّس نَزْعَها السِّتر:

“و كانت سوسنة تَرِفة جِدًّا وجميلة المنظر فأمَرَ هذان الفاجِران ان يُكشَف وجهها وكانت مُبَرْقَعة لِيَشْبَعا من جمالها وكان أهلُها وجميع الذين يعرفونها يبكون” (قصة سوسنّة: دانيال 31:13-33)

يظهر في هذا النص الكتابي أنّ الفاضِلين يَقبلون بِسِتر المرأة وغطاء رأسها، بينما يسعى الأشرار لِنَزعِه.

 

غطاء الرأس في العهد الجديد

إن غطاء الرأس هو واحد بين عدّة نقاط التَّشابُه بين إسرائيل والكنيسة. لقد كانت النساء التقيّات تغطّي رأسهنّ قبل أن يأتي المسيح بآلاف السنين. واستمرّت النساء التقيّات في هذه الممارسة عندما وُلِدَت كنيسة العهد الجديد.

يعلّم القديس بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس أن يتبع الجميع التقاليد المقدّسة التي استلموها:

“فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَحْفَظُونَ ٱلتَّقالِيدَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ.” (1 كور 2:11)

إن غطاء الرأس عند النساء هو واحد من التقاليد المقدّسة التي تسلَّمَتْها الكنيسة، ويتحدّث القديس بولس عنها في الآيات التالية. يقول أن غطاء الرأس يمثّل الإكرام في سياق العبادة:

“كُلُّ رَجُلٍ يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ. وَأَمَّا كُلُّ ٱمْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا” (1 كور 4:11-5)

النص واضح هنا: إنه لَشَرَفٌ للمرأة أن تغطّي رأسها خلال العبادة، لكن من المُعيب أن يغطّي الرجل رأسه. لأجل ذلك ينزع الرجال قُبَّعاتِهم خلال الصلاة، حتى في أيّامِنا هذه.

لا يكتفي القديس بولس بهذه النقطة، فهو يُكَرِّرها بعد بضع آيات. يجب أن تغطّي النساء رأسهنّ وأن يكشف الرجال رأسهم:

“فَإِنَّ ٱلرَّجُلَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ ٱللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ ٱلرَّجُلِ.” (1 كور 7:11)

“لِهَذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ ٱلْمَلَائِكَةِ.” (1 كور 10:11)

يُظهر العهد القديم أن هذا التقليد قديم لكنه يُلَمِّح على مبرّراته. يعطينا العهد الجديد هنا المُبَرِّرات لهذه الممارسة. فبحسب 1 كور 11، يمثّل غطاء الرأس كرامة وشرف المرأة، وهو مهمٌّ أيضاً "من أجل الملائكة”.

فالملائكة حاضرون معنا عندما نصلّي وفي العبادة. يمكن لنا ألّا نفهم تماماً أهمّية غطاء الرأس بالنسبة للملائكة، لكن يكفي أن هذا السبب موجود في الكتاب المقدّس. فإن كان الكتاب يُشير أن غطاء الرأس مُهِمّ من أجل الملائكة، فَعَلَيْنا إذن أن نأخذ هذا الأمر على محمل الجَدّ.

 

غطاء الرأس بحسب آباء الكنيسة الأولى

يتكلّم القديس يوحنا الذهبي الفم (407 A.D.) في عظة بمناسبة عيد الصعود عن الملائكة وعن غطاء الرأس عند النساء قائلاً:

“الملائكة موجودون هنا… فافتحوا أعْيُن الإيمان و شاهِدوا هذا المنظر. فإن كان الهواء الطَّلْق مملوءاً بالملائكة، فكيف تكون حال الكنيسة!؟… إسمعوا ما يُعلِّم الرسول عندما يشترط أن تغطّي النساء رأسهنّ بسبب وجود الملائكة.”

قال أوريجنّس وهو معلّم لامع في الكنيسة الأولى:

“هناك ملائكة موجودون في ما بيننا… يوجد هنا مجموعتان من الكنيسة: الأولى مُكَوَّنة من الناس والأُخرى من الملائكة… وبما أن الملائكة حاضرون… يجب على النساء تغطية رأسهنّ خلال الصلاة بسبب هؤلاء الملائكة. إنهم يؤازرون القديسين ويفرحون في الكنيسة.”

لقد كُتِبَت مجموعة التقليد الرسولي في القرن الثاني، ويُعْتَقَد أن كاتبها هو القديس إيبوليتوس الرومي. يحتوي هذا الكتاب على تعليمات للموعوظين، يرد فيها ما يلي:

“ولتُغَطّي جميع النساء رأسهنّ بقماش غير شَفّاف”

وكتب القديس كيرلّس الإسكندري تعليقاً على الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس:

“يصعب جدّاً على الملائكة تَحَمُّلَ هذه الحال إذا ما تمّ الإزدراء بواجب غطاء الرأس عند النساء”

 

غطاء الرأس في الأيقونات

الأيقونات في الكنيسة الأرثوذكسية هي دليل بصريّ للإيمان، إنها نوعٌ من "كتاب مُصَوَّر” للمسيحيّة. تُعَلِّمنا الأيقونات عن حياة وموت وقيامة المسيح، وعن حياة العديد من المسيحيّين الذين عاشوا قبلنا.

تُعَلِّمنا الأيقونات أيضاً عن غطاء الرأس.

جميع الأيقونات تُظهِر بوضوح المرأة مع غطاء على رأسها. بحسب معلوماتي، القديسة مريم المصرية هي الإستثناء الوحيد لأنها عاشت مُتَوَحِّدة في الصحراء بعيداً عن جميع الناس.

جميع القِدّيسات اللواتي عِشْنَ في المجتمع قد لَبِسنَ غطاء الرأس كما يظهر في الأيقونات.

حتى مريم والدة الإله، المرأة الفائقة البركات في الكون أجمع تظهر في الأيقونات لابسة غطاء الرأس.

هل يأتي على بالِكم أمثولة أعظم من هذه؟

 

غطاء الرأس اليوم

جميع النساء والفتيات مَدعُوّات لتغطية رأسِهِنّ في كنيستنا، طاعةً لوصيّة الله في الكتاب المقدّس، واحتراماً لتقليد الكنيسة الأرثوذكسية المقدّس. لدينا على مدخل الكنيسة سلّة تحتوي على أغطية للرأس. يُغَطّى الرأس أيضاً في البيت خلال صلاة العائلة.

فيما تكريم الله هو مكافأة للنفس، هناك فوائد أخرى كثيرة لغطاء الرأس. على سبيل المثال:

غطاء الرأس يُظهِر كرامة المرأة. كما يشير القديس بولس في الكتاب المقدّس، المرأة تُكَرِّم ذاتها عندما تغطّي رأسها خلال الصلاة.

غطاء الرأس هو حافِز للتواضع. النساء التقيّات يأتين إلى الكنيسة من أجل العبادة فقط، وليس من أجل لَفْت انتبهاه الآخرين. يمكن للفتاة أن تقع في تجربة التفاخر بتسريحة شعرها. لكن هذه التجربة غير موجودة عندما تغطّي رأسها. يمكنها التركيز على الصلاة عِوَضاً عن شعرها.

غطاء الرأس يوفّر الوقت. في ثقافة اليوم يمكن أن يقع الشخص في تجربة استنفاد وقت طويل في تَسريحة الشعر. لكن غطاء الرأس هو سهل وسريع. وضع غطاء الرأس يحتاج لوقت أقصر بكثير من تَسريحة شعر مُزَيَّنة للإستعراض.

يساعدنا غطاء الرأس على إظهار المحبة لإخوتنا. يأتي الشباب الأتقياء إلى الكنيسة في سبيل التركيز على العبادة. لكن ضفائر المرأة الجميلة المُزَيَّنة يمكن أن تشتّت الذهن. فالمرأة تُظهِر تواضعها من خلال غطاء رأسها وتزيل أي مجال للتشتّت.

لقد نَشَرَتْ مجلّة لاهوتيّة أنكليكانية مؤخّراً مقالاً عن غطاء الرأس عند النساء. وسُرْعان ما اهتَدَتْ كاتبة المقال إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة. تُبَيِّن الكاتبة بشكل بارع الهدف الأبرز لغطاء الرأس:

“إن لِباسي لغطاء الرأس ليس فقط إشارة بأنني أتّفق وأعمل بأمر الرب، بل أنني أخضع له، بشكل منظور، بإرادتي. بالخضوع والطاعة تأتي البَرَكة.” (كريستا كونراد)

في عدد من مجلّة "أمَة الله” (Handmaiden)، تُعطي سيّدة إسمها إليزابيت شَهادتَها في غطاء الرأس:

“لقد لبستُ سِتْراً (غطاء الرأس) دوماً. أرى الآن أنه كان - وما زال - ضروريّاً في سبيل ومسيرة خلاص نفسي. الأمر الأهمّ بالنسبة لي – وعدد مُتَزايِد من أخواتي – يبقى الطاعة. وبالطاعة يأتي التمييز أنني في المكان الحق في عالم الله الذي صَنَعَهُ بترتيب ونظام، مُبتَهِجة مع الملائكة. أقول الآن بكل امتننان "ها أنا!” بحضور الرب الإله العظيم المدعو "أنا هو”، في الصلاة وفي الكنيسة، مَحْفوفةً بالمراتب الملائكيّة،
في عبادة رَبِّنا ومَلِكِنا،
الله، الآب والإبن والروح القدس، له المجد، الآن وكل آن وإلى دهر الداهرين، آمين!”

 

https://blog.obitel-minsk.com/2018/05/a-guide-to-womens-headcoverings-in.html