هل سَيَخْلُص الجميع؟

القديس نيقولاي فيليميروفيتش

رسالة 148: إلى حدّاد: رادوساف 1

ترجمة ماهر سلوم

أنتَ تريد أن يغفر الله لجميع الخطأة في يوم الدينونة الرهيب. هل تُجرِّب المسيح مرّة أخرى تماماً كما جرّبه ذلك العدوّ على الجبل؟ يبدو أنك تُجَرِّب المسيح قائلاً: "إن كنتَ ابن الله الكلّي الرحمة، إرحمْ يهوذا وقايين وكلّ من ارتكب خطأ جسيمًا فأعبُدُكَ!"، فيُجيبُك الرب قائلاً: "ألم أكن رحيماً بما فيه الكفاية عندما تنازلتُ من مَجدي الأزليّ وقدّمتُ ذاتي ذبيحةً من أجل البشريّة القابعة في الظلام؟ كيف يمكن لي أن أغفر لمن لم يطلب يومًا المغفرة؛ الذين ازدروا بِرَحْمَتي حتى نَسَمَتِهم الأخيرة؛ الذين سَفَكوا دماء المؤمنين بي؛ الذين بَقِيوا خُدّاماً للشيطان حتى المنتهى؟".

وكيف يمكن الآن للبشر المائتين أن يُقارِنوا رحمتهم برحمة المسيح ويظنّون أنّهم رحماء أكثر من الله؟ إفحصْ ذاتك جيّداً وانظُرْ كَم هي الرحمة البشريّة محدودة وباطلة. أُنظُرْ إن كان بإمكانِك أن تسامِح صديقاً حَلَفَ ثلاث مرّات أنّه لا يعرفك. هل تغفر لإنسان كان يضطهد أقرِباءك بالسيف كي يَفنيَهم؟ هل تغفر لإنسان يهزأ بِأقدَس ما عندك؟ لقد غفر الربّ يسوع لبطرس الذي نَكَرَه ثلاث مرّات. غفر لشاول الذي كان يضطهد أتباعه وأقرِباءه. غفر لأغسطينوس الذي هَزِئ بالمقدّسات المسيحيّة. لقد غفر لجميع الذين تابوا من أعماق قلوبهم وحوّلوا عصيانهم إلى غيرة لله ولمقدّساته. سوف يغفر في دينونته الرهيبة حتى للذين تابوا على فراش موتهم، واعترفوا أن المسيح هو ابن الله وتوسّلوا خلاصه. سوف يغفر أيضاً للذين أظهروا رحمة بمجرّد أنّهم قدّموا كوب ماء باسمه لأحد أتباعه الصغار.

 لكن كل هذا ليس كافياً للذين يجرّبون الله! هذا ليس كافياً للذين لا يعرفون ماهيّة الغفران والتوبة. لا يعلمون كيف أنّ رحمة الله تَغلِب طريقة تفكيرنا. ولا يعلمون عمق آلام المسيح في سبيل البشريّة. يريدون أن يُشْرِك الله ملكوت النور الأزليّ بالظلمة كي يكون مزيجاً من خير وشر في السماء وعلى الأرض. يريدون أن يقف قايين، ويهوذا، وقاتِلو إخوتهم، والكفرة، وسَفّاكو الدماء، والفاسقون، والفُجّار، والمستهزئون بالقداسة، والساخرون من الله، وجميع الأشرار غير التائبين عن يمين المسيح في يوم الدينونة الأخير، مع القدّيسين، والشهداء، والصالحين، وألّا يقف أحد على جهة اليسار! هل هذا عدل؟ هل من العدل أن يُعطى الأجر ذاته للذين عملوا طول النهار؟ هل من الرحمة أن يمتزج النور بالظلمة، والحقيقة بالأكاذيب، والقمح بالزّؤان؟

من أنتَ، أيّها الإنسان لتُعَلِّم العدل لِمُبْدئ العدل؟ أو أن تذكّر الله بالرحمة، وهو الذي بكثرة رحمَته بذل نفسه ليُصلَب من أجل البشريّة؟ أسجد أمام قداسة عَدْلِه وأمام رحمته التي لا يُسْبَر غَوْرها صارخاً: "أيّها الرحيم إرحمني أنا الخاطئ وخلِّصني!".

المرجع:

http://www.johnsanidopoulos.com/2011/02/will-there-be-salvation-for-all.html